محمد شيخ عثمان
شكّلت الأجهزة الاستخبارية في العراق عبر تاريخه الحديث مرآة لطبيعة السلطة السياسية وأدواتها في الحكم والسيطرة. وبينما كان جهاز المخابرات في عهد نظام صدام حسين يمثل الذراع الأكثر رعباً للنظام، فإن جهاز المخابرات الوطني العراقي في الدولة الاتحادية بعد 2003 قد أُعيد تشكيله على أسس جديدة، يفترض أن تتوافق مع الدستور ومتطلبات الأمن القومي في بيئة سياسية وديمقراطية متغيرة.
جهاز صدام حسين: عمق السيطرة والخوف
في زمن النظام السابق، كان جهاز المخابرات أحد أعمدة الدولة الأمنية. مهمته لم تكن مقتصرة على حماية الحدود أو متابعة الخصوم الخارجيين، بل كان في المقام الأول أداة سياسية في يد النظام.
اعتمد على التغلغل العميق داخل المجتمع لمراقبة المعارضين والسيطرة على النخب.
مارس القمع الداخلي والاغتيالات الخارجية، وتحول إلى جهاز يخدم بقاء السلطة أكثر مما يخدم أمن الدولة.
كانت صلاحياته مطلقة بلا رقابة قانونية أو برلمانية، بل خاضعة مباشرة لرأس النظام.
وبهذا المعنى كان الجهاز “مخابرات عمقية”، أي أنه يغوص في كل تفاصيل المجتمع والسياسة ليضمن الولاء للنظام ويقمع أي بادرة معارضة.
جهاز المخابرات الوطني في العراق الاتحادي: بين الدستور والتحديات
بعد سقوط النظام عام 2003، جرى حل الجهاز السابق وإعادة تأسيسه تحت اسم جهاز المخابرات الوطني العراقي (INIS).
أُنشئ الجهاز الجديد على أساس أن يكون مؤسسة مهنية تخضع للدستور والسلطة المدنية.
حُددت مهامه في مكافحة الإرهاب، التجسس ضد الدولة، الجريمة المنظمة، وتحليل التهديدات الأمنية.
خلال عقد من العمل، قدّم نفسه بوصفه طرفاً أساسياً في هزيمة تنظيم داعش والقيام بعمليات نوعية ضد قياداته، كما يوضح بيان رسمي للجهاز: “عشرة أعوام من العمل الاستخباري المتواصل كانت كفيلة بهزيمة أخطر تنظيم إرهابي عرفه التأريخ…” [المصدر: جهاز المخابرات الوطني العراقي].
مقارنة موجزة
المهام: السابق ركّز على حماية النظام والقمع الداخلي، أما الحالي فيركز على مكافحة الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود.
الرقابة: الأول بلا أي مساءلة، أما الثاني فيُفترض أن يخضع لمؤسسات الدولة، وإن كانت الممارسة تواجه تحديات سياسية.
الإنجازات: جهاز صدام برع في القمع والسيطرة لكنه عزل العراق دولياً، بينما الجهاز الحالي قدّم إنجازات ضد الإرهاب نالت اعترافاً دولياً.
خلاصة

