كتب / عباس عبد الرزاق
منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، يعيش الاقتصاد العالمي حالة من القلق المستمر تجاه أي اضطراب في الولايات المتحدة باعتبارها المحرك الرئيس للاقتصاد الدولي. فقد أثبتت تلك الأزمة أن اختلال التوازنات داخل الاقتصاد الأمريكي سرعان ما ينتقل إلى بقية العالم عبر التجارة، الاستثمارات، وأسواق المال (Krugman, 2009). اليوم، ومع تحذيرات الخبير الاقتصادي ديفيد روزنبرج من تكرار سيناريو مشابه، تعود المخاوف إلى الواجهة، خاصة في ظل تراكم الديون، تباطؤ سوق العمل، وتضخم أسعار الأسهم.
أزمة 2008: الأسباب والجذور
يرى العديد من الاقتصاديين أن أزمة 2008 كانت نتيجة تراكم عوامل متعددة أبرزها:فقاعة الرهن العقاري التي غذتها البنوك عبر القروض عالية المخاطر . المضاربة المالية التي حولت الديون العقارية إلى أوراق مالية بيعت في كل أنحاء العالم دون أساس حقيقي. غياب الرقابة الكافية على المؤسسات المالية.انهيار الثقة عندما عجز ملايين المقترضين عن السداد، وهو ما أدى إلى انهيار بنك Lehman Brothers في أيلول 2008.
التبعات العالمية لأزمة 2008دخول الولايات المتحدة في ركود اقتصادي عميق استمر لسنوات.
فقدان ملايين الوظائف وارتفاع البطالة عالميًا.خسائر ضخمة في أسواق المال قاربت تريليونات الدولارات (Stiglitz, 2010).اعتماد الحكومات على خطط إنقاذ ضخمة، مثل خطة التحفيز المالي لإدارة أوباما، وخطة إنقاذ البنوك الأوروبية.
الوضع الراهن: ملامح أزمة جديدة
وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي وتحليلات روزنبرج (2025):
27 مليون أمريكي غير قادرين على سداد ديون بطاقات الائتمان.
9.4 مليون يعانون من صعوبة دفع الإيجار.
6.6 مليون متأخرون عن أقساط الرهن العقاري.
الديون المتأخرة المستحقة للبنوك تبلغ 186 مليار دولار. طلبات إعانات البطالة ارتفعت إلى 263 ألفًا، وهو مستوى تاريخي مقلق. مؤشر شيلر CAPE بلغ 37.5، وهو ثالث أعلى مستوى في التاريخ، ما يعكس فقاعة محتملة في الأسواق المالية (Shiller, 2015).
روزنبرج يصف هذا الوضع بـ “النشوة غير الواقعية” (irrational exuberance)، أي استمرار الأسواق في الارتفاع رغم ضعف الأساسيات الاقتصادية.
أوجه الشبه والاختلاف مع أزمة 2008
الشبه: وجود فقاعات مالية، تراكم الديون، ضعف القوة الشرائية للمستهلك، وانفصال الأسواق عن الاقتصاد الحقيقي. الاختلاف: الأزمة الحالية لا ترتبط فقط بالعقارات كما في 2008، بل تشمل ديون بطاقات الائتمان، الإيجارات، والأسواق المالية مجتمعة.
التأثير العالمي المحتمل
أوروبا: قد تواجه ركودًا مزدوجًا بسبب هشاشة بنوكها وارتباطها بالأسواق الأمريكية.
آسيا: انكماش التجارة مع الولايات المتحدة، وتراجع الطلب على الصادرات الصينية واليابانية.
الأسواق الناشئة: هروب رؤوس الأموال وارتفاع كلفة الديون المقومة بالدولار (IMF, 2023).
أسعار الطاقة: انخفاض الطلب العالمي قد يؤدي إلى تراجع أسعار النفط والغاز، ما يؤثر على الدول المصدّرة للطاقة.
التحذيرات الحالية ليست مجرد توقعات متشائمة، بل مبنية على بيانات واقعية وقراءات تحليلية. وإذا لم تُتخذ إجراءات لإصلاح الخلل الهيكلي في الديون والحد من تضخم الأسواق، فقد يشهد العالم أزمة مالية جديدة لا تقل خطورة عن أزمة 2008، بل ربما أشد تأثيرًا نظرًا لزيادة ترابط الاقتصاد العالمي.
المراجع

