محمد شيخ عثمان

لم يكن إغلاق الأجواء التركية أمام مطار السليمانية حدثا عابرا في تفاصيل العلاقة بين الإقليم وأنقرة، بل حمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز البعد الفني إلى جوهر السياسة ومسؤولية الموقف.
حتى الإغلاق ذاته كان شاهدا على نهج وطني رصين للاتحاد الوطني الكردستاني، في تعاطيه الهادئ والمسؤول مع القضية الكردية في تركيا وسوريا، وإيمانه الدائم بأن طريق الحل لا يكون بالسلاح ولا بالشعارات الانفعالية، بل عبر الحوار والمؤسسات الدستورية وتحت قبة البرلمان.
لقد ظل الاتحاد الوطني متمسكا بهذه الرؤية منذ عقود، وساهم بجهوده السياسية وعلاقاته الإقليمية في خلق بيئة تتيح فرص السلام بدلا من التصعيد.
واليوم، حين أعيد فتح المجال الجوي أمام مطار السليمانية، فإن هذه الخطوة لم تأت من فراغ، بل كانت ثمرة لمساع دؤوبة قادتها رئاسة الاتحاد الوطني وقيادته التي تعاملت مع الملف بعقلانية ومسؤولية وطنية عالية، بعيدا عن الشعارات والمزايدات.
خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أربيل في وقت سابق، لم يبد قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني – من رئيس الحزب إلى رئيس الإقليم والحكومة – أي اهتمام جاد بمسألة مطار السليمانية، باستثناء السيد قوباد طالباني الذي طرحها بشجاعة ووضوح.
كما أن الجهود الأخيرة التي بذلت من قبل رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني في لقائه مع أردوغان جاءت تتويجا لأرضية سياسية سبق أن أرساها الرئيس بافل جلال طالباني عبر نهجه الداعم لمسار السلام في تركيا، ومواقفه التي فتحت أبواب الثقة من جديد.
ولا يمكن إغفال أن قرار رئيس مجلس الوزراء العراقي بتغيير اسم المطار إلى مطار جلال طالباني الدولي قد أضفى فخرا جديدا على هذا الصرح الخدمي المهم، ووسم مدينة السليمانية بلقبها الأجمل: عاصمة التوازن الوطني والعقلانية السياسية. فالمطار اليوم لم يعد مجرد منفذ جوي، بل رمزا للمكانة التي تحتلها السليمانية في الوجدان العراقي، ودليلا على أن إرث مام جلال لا يزال حاضرا في مؤسسات الدولة ومشاريعها الكبرى.


