ضرورة المشاركة السياسية الفاعلة للناخب الكوردستاني
في انتخابات 11نوفمبر 2025
د.اسماعيل نجم الدين زنگنه
باحث قانوني
انتخابات مجلس النواب الاتحادي في 11نوفمبر 2025، ليست مجرد استحقاق روتيني. إنها فرصة للمشاركة السياسية الفاعلة للناخب الكوردستاني لإعادة بناء علاقته مع السلطة، وفرض إرادته في اختيار من يمثله في بغداد، والمساهمة في رسم مستقبل اقليم كوردستان و علاقته مع الحكومة الاتحادية و خاصة بعد التغييرات الاخيرة التي حصلت بين المستويين من الحكم .
والقصد من المشاركة السياسية هنا، هي مجموع الأنشطة الإرادية التي يقوم بها المواطنون للتأثير في عملية صنع القرار السياسي واختيار ممثليهم. وهي تتجاوز مجرد الإدلاء بالصوت في صناديق الاقتراع لتشمل:
– المشاركة الانتخابية: التصويت في الانتخابات المحلية والإقليمية والوطنية
– المشاركة المجتمعية: الانخراط في النقاشات العامة ومتابعة الشأن السياسي
– المشاركة الاحتجاجية: التظاهر السلمي والحراك المدني للمطالبة بالحقوق
– المشاركة التنظيمية: الانضمام للأحزاب والمنظمات المجتمعية
كما ان المراد الاساس هنا هو المشاركة الفاعلة وليس المشاركة الشكلية، فالمشاركة الفاعلة قائمة على الوعي والمعرفة بالبرامج الانتخابية، و تستند إلى متابعة أداء المرشحين وسجلاتهم، و تنطلق من فهم عميق للمصلحة الشخصية والعامة و تتسم بالاستمرارية والمتابعة بعد الانتخابات.
بينما المشاركة الشكلية ، مجرد اداء واجب عشائري أو عائلي، قائمة على الولاء المطلق لآخرين، وتنتهي دور الناخب بمجرد الخروج من محطة الاقتراع.
ومن هنا يثور سؤال مفصلي ، كيف يكون دور الناخب إيجابيًا؟
الناخب الايجابي، هو الذي يمارس دوراً ايجابياً في شتى مراحل العملية الانتخابية، فهو الذي يثقف نفسه انتخابياً قبل ان يتوجه الى صناديق الاقتراع في الموعد المقرر للادلاء بصوته، ويتأكد من تسجيل اسمه في سجلات الناخبين و معرفة مركز الاقتراع وتحديد موعد التصويت، ويحرص على إحضار الوثائق اللازمة في وقت التصويت.
كما ان الناخب الايجابي هو الذي يخطط للمشاركة و يعمل على مشاركة افراد عائلته و آخرين في الانتخابات، وفي يوم التصويت يمارس حقه الديمقراطي بصورة واعية، بحرية تامة و يقوم بالتصويت للقائمة التي يرى بأنها جديرة بتمثيل مطالب و متطلبات الشعب الكوردستاني، ويصوت للمرشح الذي يراه ملائماً و مناسباً بين مرشحي القائمة .
ولاينتهي دوره في هذا اليوم ، بل يمتد الى مراقبة اداء ممثلي القائمة التي انتخبها، ويشارك في التقييمات التي تجري لقياس مستوى اداء هؤلاء النواب داخل البرلمان (و ليس خارجها! ) فيما يتعلق بالدور التشريعي و الرقابي و ما يتعلق بعملهم في اللجان البرلمانية .
و يمكن ان يثار سؤال آخر مفاده، ماذا يجني الناخبون الكردستانيون من المشاركة المكثفة في انتخابات 11نوفمبر 2025؟
فعلى المستوى الفردي تعزز المشاركة في الانتخابات الدور الايجابي للفرد في ان يسجل بصمته على النظام السياسي في البلد ، و يقوي مركزه السياسي داخل المجتمع و لدى القوى و الكتل السياسية، أما على المستوى المجتمعي فإن المشاركة الايجابية المكثفة للناخبين تعزز الديمقراطية من خلال انتاج شرعية اقوى للحكومة ، و تحسين جودة الممثلين، و التقليل من المظاهر السلبية التي قد تصاحب العملية بسبب الرقابة و الاهتمام الشعبي المتزايد.
ومن ناحية أخرى يؤدي الى الاستقرار السياسي و التقليل من الازمات السياسية و النزاعات التي قد تثور بصدد شرعية السلطة، كما ان المتنافسين في الانتخابات سوف يعملون على ارضاء جمهور الناخبين بشتى الوسائل المشروعة خوفاً من غضبهم العارم متى ما توجهوا الى صناديق الاقتراع .
والاهم من ذلك ان المشاركة الايجابية الفاعلة ، وتمكين القوى و القوائم التي تمتلك ارضية سياسية و عددية قوية ، سوف تدعم قوة الموقف التفاوضي للإقليم بصدد الموضوعات العالقة بين الحكومتين، بما يخدم الواقع الاقتصادي المتردي في الاقليم . كما يحول الى حماية المكتسبات الدستورية لاقليم كوردستان وخاصةً الحفاظ على الفيدرالية، والحكم الذاتي و حماية الحقوق القومية، والثقافية و السياسية للإقليم و مواطني اقليم كوردستان و المناطق المتنازع عليها .
ولايخفى ان انخفاض نسبة المشاركة سوف يعكس النتائج التي ذكرناها الى الاسوء بالنسبة لشرعية السلطة و تلبية مطالب الناخبين في المستقبل، و يعمق الهوة بين الناخبين و الفاعلين السياسيين داخل الدولة ، و بالنسبة للإقليم صحيح ان عدد مقاعد ممثلي الاقليم محفوظة الى حد كبير (عدا مقاعد القوائم الكوردية في المناطق المتنازع عليها) فإن مرجعية تلك المقاعد اذا كانت ناتجة عن نسبة مشاركة متدنية ، سوف تضعف الموقف التفاوضي بصورة كبيرة.
ويمكن القول بأن هناك تحديات أمام المشاركة السياسية الفاعلة للناخبين في انتخابات 2025، من الضروري تجاوزها والتغلب على اسبابها في هذه الدورة و في الدورات اللاحقة للإنتخابات، من بين تلك التحديات ضرورة ترجمة مطالب و تطلعات الناخبين من قبل القوائم الفائزة في الانتخابات ، ابتداءً من خلال تحضير قوائم انتخابية تضم كفاءآت مشهودة لها بالخبرة و العلم و النزاهة، و الجرأة في طرح افكار و مشروعات تخدم المجتمع ، أضف الى كل ذلك ان يكونوا ممتلكين و مسلحين بثقافة دستورية وقانونية و سياسية عالية ، وظليعين في لغة التخاطب داخل البرلمان. و الابتعاد عن ضم اسماء للقوائم بناءً على تصورات ضيقة، شخصية كانت أم عشائرية.. الخ ، وذلك لأن التمثيل البرلماني ليس جمع الاصوات عند صناديق الاقتراع فحسب ، بل جمع الاصوات و التأييدات داخل البرلمان و خارجها للدورات اللاحقة من خلال تقديم افضل الاداء الفردي و الجماعي للنواب والكتلة البرلمانية .
وأخيراً و ليس آخراً، ارى ان انتخابات 2025 ليست مجرد موعد انتخابي عادي، بل هي لحظة فارقة في تاريخ العراق واقليم كوردستان، فالمشاركة الواسعة والفاعلة ليست خيارًا، بل ضرورة وطنية لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
كل صوت يُدلى به بوعي ومسؤولية هو لبنة في بناء الديمقراطية الحقيقية. وكل مقاطعة أو عزوف هو تفريط في الحقوق وتسليم للسلطة لمن لا يستحقها. والادهى من ذلك فإن الديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع، بل هي ثقافة ومسؤولية ورقابة مستمرة. ومن لا يشارك في صنع القرار، لا يحق له الشكوى من نتائجه..

