الكاتب.. باسل عباس خضير
ما يسمونه مزاد الدولار في العراق، هو في الحقيقة ليس مزاد ، لان المزاد يعني زيادة تصاعدية على السعر لسلعة معروضة للبيع ، في حين إن سعر بيع الدولار في البنك المركزي العراقي فيه ثبات نسبي ويتحدد في ضوء الاتفاق بين المالية والبنك المركزي ، وبعد تحديده يعتمد في الموازنة الاتحادية ويكون واجب الالتزام به ومخالفته تخضع لمسائلة القانون بموجب النصوص المعتمدة بهذا الخصوص ، والموجود في البنك المركزي نافذة يتم من خلالها بيع الدولار لتغطية الاستيراد بموجب قوائم يفترض أن تتم المصادقة عليها وان تخضع لآليات ليتم بموجبها فتح الاعتمادات وهي طريقة يعتبرونها وسيلة لتوفير ( خبزة ) المصارف الأهلية التي يبلغ عددها الحالي بالعشرات ، إذ تتولى المصارف إجراء عمليات التحويل الخارجي والاعتمادات ، كما يتم استخدام هذه النافذة لتوفير الدولار لشركات الصيرفة لبيعها في الداخل تحت شعار توفير احتياجات الأفراد من الدولار بالسعر الرسمي للسفر او العلاج وبعضهم يستخدمه للادخار، وهي النافذة الوحيدة التي تعتمدها وزارة المالية لتحويل الدولار الداخل للبلاد من مبيعات النفط إلى الدينار لتغطية نفقات الدولة بمختلف الغايات ، والعراق يستخدم هذه النافذة لان اقتصاده مجهول الهوية فلا هو اقتصاد موجه ولا هو خاضع لآليات السوق مما يجعله هجينا وقابل للاختراق وقادر على تحقيق المنافع الذاتية وتنامي الفساد ، فليس من الشطارة أن يقوم بلد يعاني من نقص كبير في بنيته التحتية ببيع اغلب ما يرده من اقتصاده الريعي المعتمد على إيرادات تصدير النفط الخام دون استثمار العملة الصعبة التي تتحسر عليها كثير من البلدان في بناء وإعمار قطاعات الاقتصاد ، ويعبر التمسك بولوج هذه النافذة دون غيرها منذ عدة سنوات رغم ما تخللها من شبهات وما تثيره من انتقادات عن عدة أمور اقلها العجز عن اختيار البديل والبعض يعتبره تعمدا في ترك فسحة ومساحات للاختراق والفساد .
ومن هذه النافذة أنفقنا اغلب إيرادات النفط بمئات مليارات الدولار مما فتح مجالات واسعة للاستيراد في ظل التسهيلات المتاحة من الضرائب والرسوم الكمركية والإعفاءات التي تتكرر في كثير من الحالات ، وفي يومين فقط من نهاية الأسبوع الماضي تم بيع نصف مليار دولار بالسعر المحدد وهو 1460 دينار للدولار ، وقد أسهم 46 مصرفا و 123 شركة صرافة وتوسط في ( فزعة ) شراء الدولار ومثل هذا الحال يتكرر كل يوميا دون انقطاع ، ورغم إن نسبة من المبيعات تخصص لبيع الدولار في مكاتب وشركات الصيرفة في الداخل لسد احتياجات الناس إلا إن من الاستحالة أن يشتري المواطن دولارا بالسعر المحدد رسميا ، فالسعر متذبذب ويتحكم به الطلب والعرض والنافذة حصرية على بعض الفئات وليس هناك نصيب منها بالسعر المخفض او الرسمي للمواطنين وان فتح بصيصا من ذلك للبعض يتهافت عليه السراق ، ونافذة بيع العملة قائمة وتعمل بكل حيوية ونشاط رغم المناداة بإصلاحها منذ سنوات ، ووجودها أهلك الاقتصاد الوطني لأنها شجعت على استيراد أكثر مما يحتاجه الشعب فالسلع مكدسة في المخازن والأسواق والأسعار المعروضة توأد إنتاجنا المحلي مما يفقد دوافع وجدوى الإنتاج ، و يحدث الاستيراد فسادا في المنافذ الحدودية ففيها الكثير من حالات التهرب من الضرائب والرسوم ، كما نفقد مليارات الدولارات كل عام لتعدد المنافذ غير الرسمية والتلاعب في الترسيم والاستيرادات و السماح بمرور البضائع خارج المواصفات ، ولا تخلو العملية من غسيل الأموال مصحوبة بالجهل في مصير ما ينتج عن أموال الغسيل ، ولا تخلو الاستيرادات من غش وتدليس وتلاعب من خلال إعادة تصدير المستورد لبعض الدول بالاستفادة من تسهيلات الاستيراد وامتيازات التصدير والفروقات في الأسعار وصرف العملات ، ودون الخوض في التفاصيل المتشعبة المتعلقة بهذا الموضوع فان النافذة بعمرها الممتد منذ سنوات تعد من المعاول التي هدمت وتهدم اقتصاد البلاد ، وهي مسألة معروفة ولكنها عقيمة الحلول والمعالجات ، ورغم إن صاحب النافذة البنك المركزي العراقي أعرب عن استعداده لتحويل النافذة لأية جهة او مكان إلا إنها مستمرة بذات السياق ، مما يجعل وجودها مسالة تحير العلماء !! .