د.اسماعيل نجم الدين زنگنه – باحث قانوني

يمثل مجلس النواب العراقي السلطة التشريعية في النظام البرلماني الاتحادي، حيث يتكون من 329 عضواً يمثلون مختلف المكونات العراقية بما فيها الكورد الذين يشكلون ثاني أكبر مكون قومي في الدولة. يتطلب الأداء الفعال للوظائف البرلمانية توافر مواصفات محددة في النائب، خاصة عندما يتعلق الأمر بتمثيل إقليم ذي خصوصية دستورية كإقليم كوردستان.
تهدف هذه المقالة الى ربط المواصفات النظرية بالممارسة العملية للوظائف البرلمانية، مما يساعد على فهم أعمق لمتطلبات التمثيل النيابي الناجح.:
أولاً : البرلماني الكوردستاني و الوظائف البرلمانية :
-
البرلماني الكوردستاني: هو النائب المنتخب من محافظات إقليم كوردستان (أربيل، السليمانية، دهوك، حلبجة) أو الكورد المنتخبون من المحافظات الأخرى (المتنازع عليها وغير المتنازع عليها)، والذي يمثل مصالح ناخبيه ضمن الإطار الدستوري الاتحادي.
-
الوظائف البرلمانية (وظائف مجلس النواب): مجموع المهام والصلاحيات الدستورية الممنوحة لمجلس النواب، والتي تشمل التشريع والرقابة والتمثيل السياسي.
ثانياً: المواصفات القانونية والدستورية للبرلماني الكوردستاني
-
الشروط الدستورية الأساسية:
وفقاً للدستور العراقي لعام 2005 وقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل، تتحدد الشروط القانونية لعضوية مجلس النواب كالتالي:
أ. شروط الأهلية: (الجنسية العراقية، إكمال الثلاثين عاماً من العمر، الحصول على شهادة جامعية أولية كحد أدنى أو شهادة الاعدادية بنسبة محددة، التمتع بالأهلية القانونية الكاملة) .
ب. شروط النزاهة: (عدم الإدانة في جريمة مخلة بالشرف، عدم الشمول بقانون المساءلة والعدالة).
ج. الخصوصية الكوردستانية: يضاف إلى هذه الشروط ضرورة الانتماء الجغرافي أو العرقي للمكون الكوردي، مما يتطلب إثبات الإقامة في إقليم كوردستان أو الانتماء القومي الكوردي للترشح عن الكوتا الكوردستانية.
ء.التسجيل البايومتري في سجل الانتخابات.
2: التطبيق على الوظيفة التشريعية:
تمثل هذه الشروط الحد الأدنى لضمان قدرة النائب على فهم وصياغة التشريعات. فالمستوى التعليمي يضمن القدرة على استيعاب النصوص القانونية المعقدة، بينما النزاهة تحمي من تأثير المصالح الشخصية على العملية التشريعية. الحد العمري يفترض النضج الكافي لاتخاذ قرارات تشريعية مصيرية تؤثر على حياة الملايين.
ثالثاً: المواصفات المعرفية والمهارية:
-
الكفاءة التشريعية
أ. المعرفة القانونية: يتطلب أداء الوظيفة التشريعية معرفة عميقة بالمنظومة القانونية العراقية، ولابد ان تشمل:
– فهم شامل للدستور العراقي وبنوده المتعلقة بصلاحيات الإقليم والاتحاد.
– معرفة بالقوانين النافذة والتشريعات السابقة لتجنب التعارض القانوني.
– إلمام بأصول الصياغة التشريعية ومراحل إقرار القوانين.
– فهم مبادئ القانون الدولي خاصة ما يتعلق بالتزامات العراق الدولية تجاه امور ومواضيع متعددة، من امثلتها تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان والأقليات.
ب. التطبيق العملي: يشارك البرلماني الكوردستاني في صياغة ومراجعة مشاريع القوانين ضمن اللجان النيابية المتخصصة. يتطلب هذا قدرة على:
– تحليل النصوص القانونية المقترحة وتحديد آثارها على إقليم كوردستان.
– اقتراح تعديلات تحمي الحقوق الدستورية للإقليم.
– التفاوض مع الكتل الأخرى للوصول إلى صيغ توافقية.
– التصويت المدروس على القوانين بما يحقق المصلحة العامة والخاصة.
-
الكفاءة الرقابية:
أ. المهارات التحليلية: تتطلب الوظيفة الرقابية لمجلس النواب قدرات تحليلية عالية لمراقبة أداء الحكومة، تشمل:
– القدرة على تحليل البيانات المالية والموازنة الاتحادية.
– فهم السياسات الاقتصادية والتنموية وآثارها.
– مهارات التدقيق والتقييم المؤسسي.
– القدرة على كشف الانحرافات والممارسات الخاطئة.
-
أدوات الرقابة: يمارس البرلماني الكوردستاني الرقابة من خلال: ( الأسئلة البرلمانية الشفوية والكتابية للوزراء، الاستجوابات للمسؤولين الحكوميين، طلبات الإحاطة حول قضايا محددة، المشاركة في التحقيقات البرلمانية، إجراءات سحب الثقة من الوزراء أو الحكومة) .
ج. الخصوصية الكوردستانية:
يركز البرلماني الكوردستاني رقابياً على(متابعة تنفيذ مواد الدستور المتعلقة بالإقليم، مراقبة حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، متابعة حل القضايا العالقة كالمناطق المتنازع عليها، ضمان حصة الاقليم من مناصب و وظائف سياسية وادارية في المؤسسات الاتحادية) .
-
الكفاءة السياسية والتمثيلية:
أ. المهارات التفاوضية: نظراً لطبيعة النظام البرلماني التوافقي في العراق، يحتاج البرلماني الكوردستاني إلى:
(القدرة على بناء التحالفات مع الكتل السياسية الأخرى، مهارات التفاوض للوصول إلى حلول وسط، القدرة على إدارة الخلافات والأزمات السياسية، الحكمة في اتخاذ المواقف السياسية الحساسة).
ب. التمثيل الفعال: يتطلب تمثيل الناخبين الكورد: (الحفاظ على التواصل المستمر مع الدائرة الانتخابية، فهم احتياجات وتطلعات المواطنين، القدرة على إيصال صوت الناخبين في قبة البرلمان، تقديم تقارير دورية عن الإنجازات والمواقف، البحث في حلول قانونية وسياسية أخرى خارج قبة البرلمان لغرض تنفيذ مطالب ومتطلبات الناخبين الكورد).
رابعاً: المواصفات اللغوية والثقافية:
-
الكفاءة اللغوية:
-
اللغة الكوردية: تمثل اللغة الأم وسيلة التواصل مع الناخبين، وتتطلب: (القدرة على التعبير الواضح عن المواقف السياسية، فهم الخصوصية الثقافية والاجتماعية الكوردستانية، القدرة على ترجمة المصطلحات القانونية إلى لغة مفهومة).
ب. اللغة العربية: لأن اللغة العربية هي لغة العمل الرسمية في مجلس النواب، تتطلب (إتقان قراءة وفهم مشاريع القوانين والوثائق الرسمية، القدرة على المشاركة في النقاشات البرلمانية، صياغة الاستجوابات والأسئلة البرلمانية، التفاوض والحوار مع النواب من المكونات الأخرى، المشاركة في المحادثات والحوارات التي تجري بين النواب والسياسيين والاعلاميين، لتوضيح رأي ورؤية الكورد حول مختلف القضايا المتعلقة بالطرفين).
ج. اللغات الأجنبية: خاصة الإنجليزية، تعد ميزة إضافية لـ:( متابعة التجارب البرلمانية الدولية، المشاركة في المنتديات والمؤتمرات الدولية، الاطلاع على الأدبيات القانونية والسياسية العالمية).
خامساً : الوعي الثقافي والتاريخي:
-
الهوية الكوردستانية: يجب على البرلماني فهم عميق لـ: ( التاريخ السياسي لكوردستان والحركة القومية الكوردية، التنوع الداخلي في المجتمع الكوردستاني، القضايا المصيرية للشعب الكوردي، الحقوق التاريخية والدستورية للإقليم).
-
التعددية العراقية: القدرة على التعامل مع: (التنوع القومي والديني والمذهبي في العراق، فهم حساسيات المكونات الأخرى، بناء خطاب سياسي جامع، التوازن بين المصالح الكوردستانية والمصلحة الوطنية العراقية).
سادساً: المواصفات الأخلاقية والسلوكية:
-
النزاهة والشفافية: المعايير الأخلاقية: تشمل: (الابتعاد عن الفساد واستغلال النفوذ، الإفصاح عن المصالح المالية والتجارية، عدم استخدام المنصب البرلماني لمكاسب شخصية، الالتزام بقواعد السلوك البرلماني).
* التطبيق على الوظيفة الرقابية: النزاهة الشخصية تمنح البرلماني المصداقية اللازمة لممارسة الرقابة على الحكومة. النائب الذي يمارس الفساد لا يمتلك القاعدة الأخلاقية لمحاسبة الآخرين.
الاستقلالية والموضوعية:
أ . الاستقلال السياسي: رغم الانتماء الحزبي، يجب على البرلماني: (اتخاذ قرارات مبنية على القناعة والمصلحة العامة، عدم الخضوع الأعمى لتوجيهات الحزب في قضايا مصيرية، القدرة على الاعتراض على قرارات خاطئة، وضع مصلحة الناخبين والإقليم فوق المصالح الحزبية الضيقة).
* التطبيق على الوظيفة التشريعية: الاستقلالية تضمن التصويت على القوانين بناءً على جدواها وليس على أساس المحاصصة الحزبية، مما يرفع من جودة التشريعات.
الالتزام والانضباط:
أ. الحضور والمشاركة:(المواظبة على حضور الجلسات البرلمانية ، المشاركة الفعالة في أعمال اللجان النيابية، متابعة الملفات والقضايا باستمرار، الاستجابة لاحتياجات الناخبين) .
ب. التطبيق على جميع الوظائف: الانضباط البرلماني يضمن استمرارية العمل التشريعي والرقابي، ويعكس احترام النائب للمؤسسة البرلمانية وللناخبين الذين منحوه الثقة.
سابعاً : التحديات والمعوقات
-
التحديات الهيكلية
أ. ضعف المؤسسة البرلمانية: (غياب الاستقرار السياسي وتعطل الجلسات، ضعف الكوادر الفنية المساعدة في الأمانة العامة، نقص الموارد والبنية التحتية للبحث التشريعي، محدودية التدريب المتخصص للنواب الجدد).
ب. الاستقطاب السياسي: ( الانقسامات داخل الكتل الكوردستانية نفسها، الخلافات بين أربيل وبغداد التي تشل العمل البرلماني) .
2.التحديات المرتبطة بالمواصفات
أ. الفجوة بين الشروط القانونية والواقع: (الشهادة الجامعية لا تضمن بالضرورة الكفاءة التشريعية، العمر لا يعني دائماً النضج السياسي ، الانتماء القومي لا يضمن الدفاع الفعال عن حقوق الإقليم).
ب. محدودية الكفاءات: (قلة البرلمانيين ذوي الخبرة القانونية المتخصصة، ضعف الإلمام باللغة العربية و اللغات الأجنبية، محدودية التجربة السياسية لدى بعض النواب الجدد، نقص المعرفة بالتجارب البرلمانية الدولية الناجحة).
-
التحديات السياسية:
-
البيئة السياسية العراقية: (التوترات الإقليمية والدولية ، الخلافات الدستورية غير المحسومة، الأزمات الاقتصادية والمالية، التهديدات الأمنية والإرهاب).
-
الضغوط الخارجية:
– ارتباط بعض الأحزاب بأجندات إقليمية
– الضغوط الدولية في قضايا معينة.
– التدخلات الخارجية في الشأن العراقي الداخلي.
ثامناً: توصيات لتطوير الأداء البرلماني الكوردستاني:
-
على المستوى المؤسسي:
أ. تعزيز القدرات: (إنشاء معهد متخصص لتدريب البرلمانيين الكورد، توفير مستشارين قانونيين واقتصاديين متخصصين، تطوير مكتبة بحثية بالكوردية والعربية والإنجليزية).
ب. تحسين البنية التحتية: (توفير أدوات البحث والتحليل الحديثة، إنشاء قاعدة بيانات شاملة للتشريعات والقرارات ، تطوير نظام إلكتروني لمتابعة الملفات، تحسين آليات التواصل مع الناخبين).
-
على مستوى الانتخاب والترشح:

