فرست عبدالرحمن مصطفى
ما بين صندوقٍ يُفتح على الأمل، وآخر يُغلق على الخيبة، تظلّ الانتخابات في العراق، وفي كوردستان على وجه الخصوص، مرآةً صادقة لما بلغته الشعوب من وعي ومسؤولية.
فهل هي حقا سباقٌ محموم على السلطة والنفوذ؟ أم امتحانٌ حقيقي لضمير الأمة ووعيها الجمعي؟
في المشهد السياسي الراهن، تتكاثر الأصوات وتتشابك الشعارات، غير أن القليل منها يملك ما هو أعمق من الوعود كرؤية متماسكة، ومشروعٌ وطني يتجاوز المصالح الحزبية الضيقة. هنا يتقدّم الاتحاد الوطني الكوردستاني ليُعيد إلى السياسة معناها الأصيل خدمة الناس لا استغلالهم وصون الكرامة لا المساومة عليها.
منذ تأسيسه، لم يكن الاتحاد حزبا عابرا في ذاكرة كوردستان، بل كان مدرسةً في الوعي والمسؤولية. قاوم الطغيان يوم كان الصمت خيانة، وشارك في بناء عراقٍ اتحاديٍ ديمقراطي حين ظنّ كثيرون أن الوحدة حلمٌ مستحيل. وفي كل مرة تراجعت فيها الأصوات العالية إلى الخلف، ظلّ الاتحاد ثابتا بخطابه الوطني، محافظا على توازنه بين الكوردية الصادقة والانتماء العراقي المسؤول.
بينما انشغلت بعض القوى بتبديل تحالفاتها وفق الرياح، اختار الاتحاد الوطني طريقا واحداً وهو طريق الدولة العادلة. فحيث كان الآخرون يبحثون عن مقاعد، كان هو يبحث عن حلول. وحيث ارتفعت نبرة المزايدة، حافظ على لغة العقل والحوار. وحيث استُخدمت الشعارات لإثارة العواطف، استخدم هو الفعل لبناء الثقة.
لقد أثبتت التجربة أن السياسة بلا وعي تتحول إلى فوضى، وأن الانتخابات بلا قيم تتحول إلى سوق. لكنّ الاتحاد الوطني بقي يحمل ميزان الوعي في يده، يوازن بين الحلم والواقع، بين المبدأ والمصلحة، بين كوردستان والعراق، دون أن يُفرّط بهذا أو بذاك.
ففي الوقت الذي تراجع فيه البعض عن مسؤولياته تجاه المواطن، ظلّ الاتحاد يطالب بالرواتب، ويدافع عن الحقوق، ويسعى لحلّ القضايا العالقة بالحكمة لا بالصدام، وبالواقعية لا بالاستعراض.
اليوم، ونحن أمام انتخابات جديدة، نقف مجددًا أمام سؤال الوعي:-
هل ينتخبون من يجيد فنّ الخطابة، أم من يجيد فنّ الخدمة؟
هل يصوتون لمن يثير العواطف، أم لمن يصنع الاستقرار؟
الجواب لا يحتاج إلى كثير من التأمل؛ فالتاريخ لا يخطئ في تكرار نفسه.
حين تكون الانتخابات سباقا على السلطة، يفوز الأقوى مالا والأضعف ضميراً.
لكن حين تكون اختبارا للوعي، لا يفوز إلا من يحمل مشروعا حقيقيا ، ومن يضع مصلحة الناس قبل مصلحته الخاصة.
وهنا، يبرز الاتحاد الوطني الكوردستاني بوصفه صوت العقل وسط ضجيج السياسة، وحزب الضمير في زمن المصالح، وركيزة الاستقرار في عراقٍ تتقاذفه الأمواج.
إنه ليس حزبا يسعى إلى السلطة لذاتها، بل حزبٌ يرى في السلطة وسيلةً لبناء وطنٍ يتسع للجميع، دون إقصاء أو تهميش.
في النهاية، تبقى الانتخابات مرآةً لوعي الشعوب.
فإن انتصر فيها الوعي، انتصر الوطن.
وإن انتصر الضمير، فلا خوف على كوردستان.
أما الاتحاد الوطني الكوردستاني، فسيبقى كما كان دائما ضمير الحركة السياسية الكوردية، وصوت العقل في زمن الانقسام، والحزب الذي يربح بوعيه حتى حين يخسر بالأرقام.