المحامية
هيڤار محمد عمر
مما لاشك فيه و مما أصبح من المسلمات الراسخة في العقول و الأذهان أن من مقومات الدولة الحديثة و هويتها بمفهوهما الدستوري و القانوني و السياسي و الفلسفي أن تكون ذا هيبة و سلطان ، و أن تكون لها الكلمة العليا على الجميع دون استثناء بما تمتلكها من أدوات السلطة للحكم فلا فرق بين الطبقة الحاكمة و المحكومة إلا بالوظيفة لها ما عليها وعليها ما عليها من حقوق و واجبات دستورية ثابتة و واضحة و مقننة لا يمكن التجاوز عليها أو الإخلال بها أو التهاون معها.
بالعودة إلى فلسفة إنشاء الدولة بمفهومها الحديث و هويتها القانونية نرى بشكل لا لبس فيه أن هيبة الدولة تكمن في سلطاتها و إرادتها و حكمها القانوني الرصين و ذلك باخضاع الشعب و أجهزة الدولة و ومؤسساتها تحت سيف الدستور العادل، حينما وزع الأدوار بين سلطات ثلاث هي التشريعية و التنفيذية و القضائية رغم بعض الإختلافات البسيطة في شكلها و نوعها ، إلى اضطر المشرعون إلى إعطاء الإعلام و حرية الرأي و التعبير والفكر والمعتقد دورا بارزا في دساتير الدول لتصبح حقوقا و مبادئ دستورية من العيب ومن الإجحاف إغفالها، تتشوه صورة الدولة و تصبح معيبة دستوريا و سياسيا و فلسفيا و دوليا أيضا إذا ما ظنت بعض الأحزاب أن بعض الكيانات وبعض المتنفذين وبعض المستفيدين و المندسين تحت مظلة الدولة بقوة السلاح أو لأسباب عقائدية أو سياسية عرضية أنها فوق سلطان الدولة وأنها فوق إرادة الدولة وأنها بديل للسلطة أو أنها تحكم و تخلق الدولة من خلالها ، بالتاكيد هذا تصور خاطئ و مخيف و مريب في نفس الوقت لانها ستعيد بجسم و هيكل الدولة إلى ما قبل ولادتها الدستورية و السياسية و الفلسفية ، فإعادة الحال إلى ما كان عليه سوف يضر بالشعب لأنها ستخلف الفوضى الممنهجة و حالة من الفلتان الفوضوي و تمحي قدسية الالتزامات الدستورية لدى الفئات المتخاصمة و المتنازعة و المتنافسة و تجعلها سائبة لا تحتكم إلى القضاء و الدستور وتجعل من السلطتين الأخريين بلا قضاء بلا سيف بلا عدل أو عدالة منشودة و هنا يفقد المنطق الدستوري والعقل البشري علته من القبول في إنشاء هذا الكيان القانوني والسياسي و الاجتماعي و الفلسفي الذي سميناها الدولة و تنعدم الهيبة لتسود الخيية لدى الجميع دون استثناء و يستشري الفوضى و الفساد الحكومي و الشعبي لنشكل خطرا على انفسنا قبل غيرنا.