الكاتب..حنان صبري
الحرية المطلقة مفسدة مطلقة، فقد غيرت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل جذري ديناميكية حرية التعبير وحق الخصوصية، إذ تمتلك القدرة على تسهيل نشر الأخبار والمواد الإعلامية وتوسيع نطاقها بما يتجاوز حدود وسائل التوزيع التقليدية. وفي الوقت نفسه، تعرّض المستخدمين لتدفق هائل من المحتويات المتنوعة ومصادر المعلومات المختلفة.
ومع تنوعات وجهات النظر وسرعة تداولها، أصبحت تلك المواقع أداة أساسية للمؤسسات الإخبارية من أجل الوصول إلى جماهيرها والتفاعل معهم مباشرة، وهو ما يجعل من الضروري تكييف محتوى الوسائط التقليدية مع خصائص هذه المنصات وجماهيرها المتنوعة.
كما أن التحولات التكنولوجية المتسارعة تفرض إعادة النظر في المعايير الأخلاقية وتكييفها مع التغيرات الرقمية الجديدة، بحيث تبقى قادرة على تنظيم السلوك الإعلامي وحماية القيم الإنسانية.
وتعد حرية التعبير وحق الخصوصية من الحقوق الأساسية للإنسان التي يحميها الدستور، وهي تتطلب إيجاد توازن دقيق بين الانفتاح على تبادل الأفكار وبين صون الحياة الخاصة للأفراد.
وفي هذا السياق، تلعب سياسات المنصات الرقمية دورا مهما في الحفاظ على سلامة وكرامة المستخدمين داخل الفضاء الاجتماعي، من خلال إتاحة أدوات للتحكم في المحتوى وتحديد نطاق تداوله، بما يحدّ من أعمال التشهير أو نشر البيانات الخاصة أو التعريفية بالأشخاص على الإنترنت، وهي ممارسات تُعَدّ من أشكال الإساءة أو التنمر الإلكتروني
ومن الأمثلة الحديثة على الجدل المرتبط بحرية التعبير والخصوصية ما حدث مع احدهم، حيث تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعًا من إحدى الحفلات ظهر فيه وهو يغني مقطعًا يتضمن آيات قرآنية بشكل غير لائق. هذا الأمر أثار موجة واسعة من الاستهجان والانتقادات من طيف واسع من المتصفحين، وووصفه كثيرون باتها إساءة للمقدسات الدينية. وبسبب سرعة انتشار المقطع عبر المنصات الرقمية، تحركت الجهات الرسمية عبر لجنة المحتوى الهابط لاتخاذ إجراءات قانونية بحقه.
ويبرز هذا المثال كيف يمكن أن تتحول حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني إلى مصدر جدل أو مساءلة، إذا لم تُراعَ المعايير الأخلاقية والقوانين التي توازن بين الحق في التعبير واحترام المنظومة القيمية والاخلاقية
خلاصة ما تقدم أن التغيرات التي فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد مجرّد تطور تقني، بل أصبحت واقعًا يؤثر بشكل مباشر على حرية التعبير وحق الخصوصية. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى موازنة هذه الحقوق عبر تكييف القوانين والمعايير الأخلاقية مع التحديات الرقمية المتسارعة، بما يضمن فضاء تواصليا أكثر أمانا وعدالة. إن حماية كرامة الأفراد على الإنترنت ليست مسؤولية المستخدمين وحدهم، بل هي واجب تشاركي بين المؤسسات الإعلامية، والمنصات الرقمية، والمجتمع ككل.
المصدر .. صحيفة الصباح