أ.م.د. ژینۆ عبدالله- جامعة السليمانية

في قاعات الدراسات العليا بكلية اللغات في جامعة السليمانية(2016-2019)، حيث كنا نخوض غمار رحلة الدكتوراه في الأدب العربي، كان ثمة زميل يأتي من أربيل في كل مرة دون أن يتأخر قط. كان الدكتورجمال سليمان مصطفي التدريسي في قسم التربية الأساسية بجامعة صلاح الدين، مختلفاً منذ اللحظة الأولى، فحضوره الفكري طاغٍ، وأسئلته عميقة، وثقافته الموسوعية تتجلى في كل نقاش. كنت ألجأ إليه كلما استعصت عليّ مفردة نقدية حديثة أو مصطلح صوفي، فيجيب بيسر العارف. لذا لم أستغرب أن أطروحته للدكتوراه نالت تقدير الامتياز، فقد كانت – كصاحبها – استثنائية.
أطروحته الموسومة بـ”الخطاب الشعري بمنهج التفكيكية في شعر محمود درويش”، والتي أشرف عليها الأستاذ الدكتور ظاهر لطيف كريم، تمثل قفزة نوعية في دراسة شعر درويش. فللمرة الأولى في الجامعات العربية، تُفرد أطروحة كاملة لدراسة شعره بمنهج التفكيكية حصراً، كاشفة عن جوانب خفية في عالمه الشعري لم تطرق من قبل.
جرأة المنهج
ما يميز هذه الدراسة ليس موضوعها فحسب، بل جرأتها المنهجية. فالتفكيكية – ذلك المنهج النقدي الذي ظهر في أواخر القرن العشرين – يقوم على تقويض فكرة المعني الثابت، وإطلاق يد القارئ في فضاء التأويل اللامحدود. وإذا كانت المناهج السابقة قد قيّدت القارئ بأدوات محددة، فإن التفكيكية تمنحه حرية الغوص في أعماق النص، مستكشفاً تناقضاته وثغراته، باحثاً عن المسكوت عنه.
وقد أدرك الباحث أن درويش نفسه كان يمتلك وعياً تفكيكياً، فشعره يحمل في بنيته ذلك التوتر الخلاق بين الحضور والغياب، بين المركز والهامش، وهو ما جعل اختيار المنهج موفقاً وعميقاً.
من الحداثة إلي ما بعدها
انطلقت الدراسة من فهم عميق للتحولات النقدية، فالنقد الأدبي – كما نعلم – قطع شوطاً طويلاً من الحداثة إلى ما بعدها، وكان لكل مرحلة خطابها المتميز. وحين نقارن بينهما، ندرك كيف أن ما بعد الحداثة أفرزت خطاباً نقدياً يقرأ النص بأدوات مختلفة، لا تبحث عن اليقين، بل تحتفي بالتعدد والاختلاف.
بنية الأطروحة
تكونت الدراسة من ثلاثة أبواب محكمة: تناول الأول المركز والهامش في الخطاب الشعري (الذات، الزمن، المكان)، وخُصص الثاني للاتفاق والاختلاف (التراتبية، والحضور والغياب)، فيما كشف الثالث عن تفكيك المعنى المركزي عبر التناص المربك والمعنى المؤجل.
التفكيكية بلغة دريدا

