مقال عباس عبد الرزاق
البنية العامة للنص
النص يتخذ شكل قصة قصيرة تأملية ذات بعد رمزي و، تبدأ من مشهدٍ يوميٍّ بسيط (الكاتب يقرأ الصحف ويشرب قهوته)، ثم تتحول فجأة إلى حلمٍ وجودي تتجلى فيه سلسلة من اللقاءات مع رموز فكرية وشخصيات رمزية.
التحول من الواقع إلى الحلم يشكّل جسرًا بين الوعي واللاوعي، بين الفكر والخيال، وبين اليومي والميتافيزيقي، مما يجعل النص قريبًا من أسلوب الأدب الصوفي والعبثي في آنٍ واحد.
الثيمة الرئيسة
الثيمة الأساسية التي تتخلل النص هي البحث عن الحرية والمعنى في عالمٍ متناقض.
فالشخصيات التي يلتقي بها الراوي ليست مجرد أسماء، بل تمثل أصوات الفكر الإنساني الكبرى التي حاولت تفسير معنى الحرية، العدالة، الوعي، والوجود.
كل حوارٍ في النص يضيء جانبًا من رحلة الإنسان نحو الفهم والتحرر من القيود المادية والفكرية.
الأبعاد الفلسفية
الحرية مقابل السلطة: من خلال اقتباس ماركس وكامو، يبرز النص أن أخطر أنواع القيد ليست تلك التي تُفرض من الخارج، بل تلك التي ينتجها العقل البشري بنفسه عندما يستسلم للأنظمة، أو للأفكار الجاهزة، أو للسلطة الروحية والسياسية.التمرد والوعي: الحوار مع نيتشه يُظهر أن التمرد ليس فعلاً عنيفًا، بل هو رفضٌ للفضائل الزائفة التي تقدس الخضوع وتُجمّل العبودية. ومن هنا يصبح الوعي ذاته فعلًا من أفعال المقاومة.الحب كقيمة كونية: في الجزء الشعري الذي يستحضر حافظ الشيرازي ومولانا الرومي، يتحول الحب إلى قوة تطهير وتوازن، تعيد للإنسان اتصاله بالعالم والآخرين.فالحب عندهما ليس عاطفة، بل وعيٌ كونيٌ يوحّد الوجود.
عبثية الوجود وسخريته:حضور سامي هادي وأبياته عن الطيور التي تحب السماء لكنها تعود إلى الأرض، يُذكّر بفكر ألبير كامو عن الإنسان الذي يسعى نحو معنى في عالمٍ صامت، لكنه لا يكف عن السعي رغم عبثيته.
البنية الرمزية
كل شخصية في الحلم هي رمز لفكرة:
كاك ئارام → العدالة الأخلاقية.
خالة شيهاب → التسامح والوقار.
وەسفییە خانم → حرية التفكير.
آزاد هورامي → نقد الأيديولوجيا.
ماموستا مجيد غاندي → التمرد النيتشوي.
سلام عبد الرزاق → الوعي بالمراقبة الداخلية.
حافظ والرومي → الروح والحب.
فرانكلين → الحرية السياسية والعقل العملي.
أما الحلم نفسه فهو فضاء رمزي يتجاوز الواقع، يمثل الوعي الجمعي للكاتب، أو محاولة لاجتماع كل الأصوات الفكرية في ضميرٍ واحد يبحث عن النور.
الأسلوب واللغة
اللغة تجمع بين السرد الواقعي والنص الشعري الرمزي. الانتقال بين النثر والشعر يمنح النص إيقاعًا داخليًا يعبّر عن تداخل العقل والعاطفة.الصور البلاغية تقوم على التناوب بين الليل والنهار، الظلمة والنور، الحلم واليقظة، في دلالة على حركة الحياة المستمرة.
الدلالة الختامية
الفقرة الأخيرة تختصر المعنى الكلي:
“وەک سونەتی ژیان، شەوێکمان ناشت و رۆژێکمان دەستپێکردەوە…”
أي أن الحياة استمرار لا ينقطع، شبيهة بتعاقب الليل والنهار، ولا خلاص إلا في الحركة، في الأمل، وفي الإيمان بأن النور يأتي دائمًا بعد العتمة.
الكاتب هنا يقدّم رؤيةً إنسانية متفائلة رغم الطابع الفلسفي المعقد للنص، ويؤكد أن الفكر ليس هروبًا من الواقع، بل وسيلة لفهمه ومواجهته.
النص لوحة فكرية تمزج بين والأدب والشعر، تؤسس لحوارٍ إنساني مفتوح بين الشرق والغرب، بين العقل والروح. إنه نداء من الكاتب للإنسان بأن يفكر بحرية، ويعيش بوعي، ويؤمن بالاستمرار رغم العتمة، لأن “الليل وإن طال، فإن النهار قادم لا محالة.”