د.اسماعيل نجم الدين زنگنه
باحث قانوني
تمثل مقترحات رئيس جمهورية العراق في آب 2025 وثيقة مهمة في مسيرة الإصلاح الانتخابي العراقي. جاء هذه الورقة في توقيت حرج، إذ أن العراق يستعد لانتخابات مهمة تتطلب أقصى درجات النزاهة والشفافية لضمان قبول نتائجها من قبل جميع الأطراف السياسية والشعب العراقي.
حيث تضمنت الورقة تأكيداً صريحاً على ضرورة التزام جميع مؤسسات الدولة ومسؤوليها بمبدأ الحياد التام في العملية الانتخابية، وحظر استخدام الموارد والصلاحيات الحكومية لخدمة أي غرض أوطرف سياسي. كما دعا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أية مخالفات قد ترتكب في هذا الإطار، مشدداً على أن استقلالية المؤسسات الأمنية والإدارية عن التجاذبات السياسية تعد ضمانة أساسية لنزاهة الانتخابات.
و قد اعتمدت الرئاسات الاربع المقترحات المقدمة من قبل رئيس الجمهورية وفق الوثيقة الموقعة من قبلهم في قصر بغداد بتأريخ 18/ آب/ 2025، ويمكننا حصر المقترحات في عناوين موجزة ، وهي :
-
ايقاف التعيينات
-
ايقاف منح كتب شكر جماعية
-
منع استخدام امكانيات الدولة بأنواعها لأغراض انتخابية .
-
الحد من استغلال النفوذ الوظيفي للترويج لمرشحين بعينهم.
-
اعتماد برامج انتخابية سياسية والابتعاد عن التسقيط و استخدام اللغة الطائفية و العنصرية .
وأهمية هذه المبادرة تكمن في صدوره من سلطة عليا في الدولة، مما تعطيها وزناً دستورياً وسياسياً كبيراً. فرئيس الجمهورية، بوصفه رمزاً لوحدة البلاد وحامياً للدستور، يلعب دوراً محورياً في ضمان احترام القواعد الديمقراطية وحماية العملية السياسية من الانحرافات.
حيث تأتي مبادرة رئيس الجمهورية في سياق تجربة انتخابية عراقية شهدت العديد من التحديات منذ عام 2005. فقد واجهت الانتخابات العراقية المتعاقبة اتهامات متكررة بالتلاعب والاستغلال الوظيفي، مما أثر على ثقة المواطنين بالعملية الديمقراطية وأدى في بعض الحالات إلى مقاطعة واسعة أو احتجاجات شعبية على النتائج.
ومن الناحية القانونية، تستند المقترحات إلى أحكام الدستور العراقي لعام 2005، الذي ينص في مواد متعددة على مبادئ المساواة والعدالة وحق جميع المواطنين في المشاركة السياسية الحرة. كما يتوافق مع قانون الانتخابات النافذ الذي يحظر استغلال المال العام والوظيفة العامة لأغراض انتخابية.
علاوة على ذلك، تتماشى هذه المبادرة مع المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية، كما وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه العراق. هذه المعايير تُؤكد على ضرورة ضمان انتخابات حرة ونزيهة دون تمييز أو ضغوط، وهو ما يتطلب حياد الإدارة العامة وعدم تدخلها لصالح أي طرف.
و يمكن قراءة دوافع عدة وراء إطلاق رئيس الجمهورية لهذه المبادرة. أولاً، الرغبة في استعادة ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية بعد سنوات من الشكوك والاتهامات. ثانياً، الحاجة إلى إرساء سابقة قانونية وأخلاقية واضحة تحدد معايير السلوك المقبول للموظفين العموميين خلال الفترة الانتخابية. ثالثاً، الاستجابة لمطالب المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية التي طالبت مراراً بإصلاحات انتخابية جوهرية.
أما الأهداف المرجوة من هذه المبادرة، فتشمل تعزيز شفافية العملية الانتخابية، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين، وحماية حرية الناخبين في الاختيار دون ضغوط أوإغراءات، وتقوية المؤسسات الديمقراطية من خلال ترسيخ مبدأ الحياد المؤسسي.
وفي السياق العراقي، يكتسب هذا المفهوم أبعاداً إضافية تتعلق بطبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية، حيث يتم في كثير من الأحيان استغلال المؤسسات الحكومية ككتل انتخابية موحدة تعمل لصالح الأحزاب المسيطرة على هذه المؤسسات.
-
الآثار السلبية للاستغلال الوظيفي

