الكاتب..هيثم حميد مطلك المنصور
يعتمد البنك المركزي لادارة حركة سعر صرف الدينار مقابل الدولار، نظام التثبيت، الذي تنشا عنه حركة المستوى العام للأسعار لارتباط الكميات الكلية بحركة سعر صرف الدينار، وكون النظام السعري في الاقتصاد العراقي ناشئا بالمقام الاول من ارتباط حركة الاسعار بنظام الصرف، فلأنه من الاقتصادات الريعية ذات التوازن غير التقليدي والانفصام بين السوقين الحقيقية والنقدية لانعدام مرونة الناتج التقليدي غير النفطي للانخفاض الحاد في اداء الفائدة التوازنية للسوق المالي. حيث ترتبط حركة الاحتياطيات الاجنبية ( الدولار والذهب والاوراق المالية الواقعة في جانب الاصول من الميزانية العمومية للبنك المركزي كديون للعراق من العالم الخارجي) بحركة الانفاق العام من الايراد النفطي من الدولار بعد مبادلته بالدينار من البنك المركزي لمواجهة طلب القطاع الخاص والعام ومشتريات الحكومة. وطبقا للفائض والعجز في ميزان المدفوعات ينتج عنهما نمو او تقلص الاحتياطيات. فعند ارتفاع الريع النفطي من جانبه يعزف البنك المركزي عن تمويل عجز الموازنة، وتخفض الحكومة من انفاقها، مما يؤدي الى رفع مستوى الاحتياطيات الاجنبية لاستخدامه في تمويل عجز الموازنة في حالة انخفاض الريع النفطي .
بعد اتجاه البنك المركزي لسياسة تغيير سعر الصرف الثابت للدينار العراقي نحو التخفيض لترتفع قيمة الدولار الواحد الى 1450 دينار قبل عامين ، أسهم ذلك الى جانب تقييد الانفاق العام، في نمو الاحتياطيات لدى البنك المركزي، بعد انخفاضها الحاد أواخر2020 نتيجة جائحة كورونا. اذ اعلن البنك المركزي في الثاني والعشرين من شهر آب من العام الحالي 2022 استمرار ارتفاع منسوب الاحتياطيات الى حدود 80 مليار دولار ومن المتوقع بلوغها 90 مليارا نهاية العام المذكور، متأثرة بارتفاع أسعار النفط العالمية وتنامي الوفرة المالية لهذه الصادرات.
تعد الاشارة الموجبة لتزايد الاحتياطيات الاجنبية مدخلا أداتياً للسياسة النقدية المستهدفة استقرار معدلات التضخم، كون الاخير قد ازداد بفعل عوامل متظافرة داخلية واخرى خارجية، لسنا بصددها، ادت الى ارتفاع معدلاته، اذ يستخدمها البنك المركزي في عملية تعقيم التوسع الديناري عبر مشترياته ومبيعاته من الدولار عبر النافذة، وعملياته النقدية في سوق الارواق المالية مشتريا او بائعا لها، سيؤدي حتما الى كبح التضخم والوصول به الى مستوى المستهدف هدفا مباشرا للسياسة النقدية.
اذن، وفي ظل الارتفاع المستمر للعائد الريعي ولأهمية الموضوع، ضرورة التنسيق بين وزارة المالية والبنك المركزي، فمن جانب السياسة المالية فلابد من تقييد الانفاق الحكومي بالاغراض الفنية البحتة، وبما يعمق من الدور الاستراتيجي للاحتياطيات في دعم فرص النمو وتهيئة الارضية الخصبة للاستثمار في القطاع الحقيقي، من جانب السياسة النقدية عبر استهدافها استقرار معدل التضخم بإدارة حركة عرض الدولار والطلب عليه من نافذة العملة لصالح استقرار الاسعار وتخفيض التكاليف، المعوض لانخفاض قيمة الاصول المالية ، الذي من شانه ان يغير مسار النمو لصالح سياسات الانفاق المستهدف للتنمية المخفضة من الآثار السلبية للإنفاق غير المنتج . ان بلوغ تضخم متدن ومستقر يعد عاملا مهما لتعزيز مناخ الاستثمار المحلي والاجنبي المرتبط بسياسات الاقتصاد ذات العلاقة، التجارية منها والزراعية والصناعية.
الا انه وعلى الرغم من الحالة الايجابية التي يعكسها نمو الاحتياطيات الاجنبية من قدرة للاقتصاد الوطني في التصدي للتضخم والتقلبات والمؤدي الى دعم المناخ الايجابي للاستثمار، فان نموها ليس بحالة دائمة لأن العائد النفطي تابع لتقلبات الاسعار في سوق النفط العالمية، وفي ظل هذه الفرضية الممكنة، عند انخفاض اسعار النفط ستنخفض معها الاحتياطيات نتيجة استخدامها لتغطية العجز المالي الحكومي.
مما سبق، يمكن تشخيص مستويين للحل، الاول على المستوى الاستراتيجي يتمثل باستدامة التنسيق فيما بين السياسة المالية والسياسة النقدية والثاني على المستوى الكلي والهيكلي للاقتصاد العراقي، يكمن في معالجة ريعية الاقتصاد واحاديته من خلال زيادة مرونة الناتج غير النفطي لمواجهة الطلب الكلي محليا في ظل سياسة تجارية داعمة للصادرات لتنويع مصادر الدخل الكلي.