رغم مرور أكثر من عقدين على سقوط نظام صدام حسين، ما زال العراق يعيش تحت ظلال قراراته الجائرة بحق شعب كوردستان. تلك القرارات، التي وُلدت من رحم العقلية الشمولية، لم تكن مجرد أوامر إدارية عابرة، بل كانت سياسة منظمة هدفت إلى كسر إرادة الكورد وطمس هويتهم، وما تزال آثارها القانونية والسياسية حاضرة حتى اليوم.
منذ منتصف السبعينات، بدأ النظام السابق بأصدرا قرارات مجحفة بحق الشعب الكوردس والاقليات المتعايشة معه. القرار رقم (795) لعام 1975 مثّل البداية، إذ قضى بمصادرة ممتلكات مؤيدي الحركة الكوردية تحت ذريعة “حماية الأمن القومي”. تلاه القرار رقم (358) لسنة 1978 الذي ألغى سندات ملكية الكورد المهجّرين ووزّع أراضيهم على عائلات عربية. ورغم إلغاء هذه القرارات شكلياً بعد عام 2003، إلا أن آثارها العقارية والاجتماعية ما زالت عالقة، لتشكّل إحدى أبرز مظاهر الظلم التاريخي.
في الثمانينات، أخذت القرارات منحى أكثر قسوة حين منحت السلطة صلاحيات مطلقة لعلي حسن المجيد لتنفيذ ما سُمّي بـ”عمليات الأنفال”، وهي جريمة إبادة منظمة دُمّرت فيها قرى كوردية واستخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين. أما القرار رقم (666) لعام 1980، فقد تجاوَز حدود القسوة الإنسانية حين جُرّد الكورد الفيليون من جنسيتهم العراقية وصودرت ممتلكاتهم. وبرغم إعادة الاعتراف بحقوقهم في قانون الجنسية لعام 2006، فإن آلاف الأسر ما زالت تنتظر إنصافاً فعلياً لا شكلياً.
وفي مطلع الألفية، استمر النهج نفسه عبر القرار رقم (199) لعام 2001 الذي فرض ما سُمّي بـ”تصحيح القومية”، بإجبار الكورد والتركمان في كركوك ومناطق أخرى على تسجيل أنفسهم كـ”عرب”. أُلغي القرار بعد 2003، لكن آثار التعريب الإدارية لا تزال تترك بصماتها في السجلات الرسمية حتى اليوم.
القضية لا تتعلق بالماضي فقط، بل بالحاضر الذي لم يُصحَّح بعد. فالمادة (140) من الدستور العراقي، التي كان يفترض أن تُعيد التوازن في المناطق المتنازع عليها، لم تُنفّذ بصورة كاملة، لتبقى كركوك رمزاً حياً للتعطيل الدستوري والتسويف السياسي.
لقد ألغى العراق نصوص تلك القرارات، لكنه لم يلغِ نتائجها. فما زالت الأراضي بيد غير أصحابها، والمواطنون الذين حُرموا من جنسيتهم ينتظرون اعترافاً منصفاً، والعوائل التي هجّرت تنتظر عودة حقيقية.
إن ما تحتاجه كوردستان والعراق معاً اليوم هو (عدالة انتقالية جادة) تُعيد الاعتبار إلى الضحايا، لا بيانات سياسية مؤقتة. فإلغاء المظالم لا يتم بالتجاهل، بل بالمواجهة والمحاسبة والتعويض.
حين يتحقق ذلك، فقط عندها يمكن للعراق أن يقول إنه طوى صفحة الماضي فعلاً، لا قولاً، وإنه اختار طريق المواطنة بدل طريق الإقصاء. وحتى ذلك الحين، ستبقى قرارات الأمس المجحفة شاهداً على أن العدالة المؤجلة هي ظلم مستمر.
ملحق القرارات
القوانين والقرارات المجحفة بحق شعب كوردستان في عهد نظام صدام
يقدم هذا الملف ملخصاً لأهم القوانين والقرارات التي صدرت في عهد نظام صدام حسين ضد شعب كوردستان، مع توضيح آثارها القانونية والسياسية الحالية حتى عام 2025.
القرار رقم 795 / 1975
المضمون: مصادرة ممتلكات أعضاء الحركة القومية الكوردية ومؤيديها ضمن سياسة التعريب.
الفئات المتأثرة: الكورد، الإيزيديون، أقليات كوردستان العراق.
الوضع القانوني الحالي: نصاً: غير ملغى رسمياً بالكامل. عملياً أُوقف بعد 2003، لكن آثار المصادرة باقية.
القرار رقم 358 / 1978
المضمون: إبطال سندات ملكية المهجرين وضم الأراضي إلى الدولة أو توزيعها على عوائل عربية.
الفئات المتأثرة: الكورد والإيزيديون في المناطق المتنازع عليها.
الوضع القانوني الحالي: قرار بعثي أُلغي فعلياً بعد 2003، لكن إعادة الملكية ما زالت جارية.
القرار رقم 160 / 1987
المضمون: منح صلاحيات خاصة لعلي حسن المجيد في الشمال لتنفيذ عمليات الأنفال.
الفئات المتأثرة: كورد كوردستان العراق.
الوضع القانوني الحالي: أُلغي بسقوط النظام، لكن تبعاته الإنسانية والقانونية مستمرة (تعويضات، مقابر جماعية).
القرار رقم 666 / 1980
المضمون: تجريد الكورد الفيليين من الجنسية واعتبارهم أجانب ومصادرة ممتلكاتهم.
الفئات المتأثرة: الكورد الفيليون.
الوضع القانوني الحالي: أُلغي رسمياً (قانون الجنسية 2006)، لكن لم تُعالج كل حالات الاسترداد.
القرار رقم 199 / 2001
المضمون: فرض تغيير القيد القومي إلى ‘عربي’ في كركوك ومناطق أخرى (تصحيح القومية).
الفئات المتأثرة: كورد وتركمان المناطق المتنازع عليها.
الوضع القانوني الحالي: أُلغي بموجب قانون إدارة الدولة 2004، لكن آثار التعريب الإدارية ما زالت قائمة.
القرار رقم — / السبعينات والثمانينات
المضمون: تعديل حدود محافظة كركوك وضم أقضية كوردية إلى محافظات عربية ضمن التعريب.
الفئات المتأثرة: سكان كركوك وخانقين وسنجار.
الوضع القانوني الحالي: التعديلات باقية إدارياً حتى اليوم؛ المادة 140 من الدستور لم تُنفّذ بالكامل.
القرار رقم — / 1986–1989
المضمون: حملة الأنفال، تدمير القرى واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد الكورد.
الفئات المتأثرة: الكورد .
الوضع القانوني الحالي: انتهت بسقوط النظام، وصُنّفت كجريمة إبادة، لكن آثارها الاجتماعية والاقتصادية مستمرة.
التحليل القانوني والسياسي حتى عام 2025
رغم إلغاء معظم قرارات نظام البعث رسمياً بعد 2003، إلا أن آثارها لا تزال ملموسة في الواقع الكوردستاني. المادة (140) من الدستور العراقي ما زالت غير مطبقة بالكامل، وقضايا الأراضي والممتلكات المصادرة ما زالت قيد التسوية. كذلك، لم يحصل كثير من المتضررين من قرارات التجريد والتهجير على تعويضات كافية. يمثل هذا الإرث القانوني تحدياً حقيقياً أمام استقرار العلاقة بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.