إن «كرنفال العاصمة» لم يكن مجرد عرضٍ لقوة الاتحاد الوطني الكردستاني أو اختبارٍ لجماهيريته، ولم يكن أيضًا مجرد جزءٍ من التصميم الانتخابي المتقدم الذي ضمن نجاح قائمة الاتحاد، بل كان إشارةً أخرى إلى استعداد الرئيس بافل طالباني في عاصمةٍ لطالما اعتبرها الاتحاد الوطني منطقةً خضراء ومحورية عميقة في استراتيجيته. صحيح أن أربيل كانت دائمًا جزءًا من البعد الاستراتيجي و الإهتمام السياسي لرئيس وقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني ، لكن الحضور الدائم والمتواصل حمل معنى آخرهذه المرة ، إذ أعلن الرئيس في الكرنفال بوضوح لكل أهالي أربيل أن المدينة أصبحت بيته الثاني، وأنه باقٍ قريبًا منهم وسيتواصل معهم. الرسالة التي وجّهها رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني هذه المرة من العاصمة كانت مختلفة عن معظم رسائله السابقة؛ إذ كانت أعمق، وأكثر مباشرة في تناول الجروح، وطرحت حلولاً واقعية للمشكلات القائمة. كما كشفت عن خارطة طريق اتحادية لمعالجة الأزمات المستمرة والمتعددة. الأمر اللافت في خطابه هذه المرة أنه لم يقتصر على عرض المشكلات، بل تضمّن أيضًا حلولاً جذرية ضمن برامج واستراتيجيات الاتحاد للمرحلة المقبلة في عاصمة الإقليم. كما وجه َرسالة خاصة للمكون التركماني حيثُ أظهر الاتحاد الوطني من خلال رؤية إنسانية ووطنية حرصه على أن يكون للمكونات الأخرى تمثيلٌ حقيقي وصادق، وأن تُعامل كمواطنين متساوين في الحقوق، وأن تكون جزءًا من النسيج الوطني العام، وهذا يتطلب احترام هوية التركمان وثقافتهم ولغتهم وحقوقهم
. وقد جدّد الاتحاد الوطني التزامه الدائم بهذا النهج، مؤكدًا أن الدفاع عن مطالب التركمان العادلة سيتم بالسياسة والدبلوماسية، وحتى عند الضرورةبالقوة، وأن الاتحاد سيبقى دائمًا مظلة حماية للمكون التركماني.
وفيما يخص حقوق ومطالب المكون المسيحي: كان منطق الرئيس بافل طالباني واضحًا، صريحًا، وقويًا؛ إذ أكد رفضه التام لاستمرار تغيير الديموغرافيا والاستيلاء على الأراضي المسيحية، وشدد على أن أي انتهاكٍ لهذه الحقوق سيُحوّل إلى قضية قانونية أمام المحاكم العراقية والدوليةوسيكون محاميه المدافع عنه هو الإتحاد الوطني الكردستاني، هذا التعهد من الرئيس وتأكيده على حماية هذا المكون الأصيل يأتي في وقتٍ تمارس فيه بعض النخب السياسية سلوكيات غير مسؤولة، حيث جرى على مدى سنوات الاستيلاء على قرى وأراضٍ مسيحية وتهجير سكانها الأصليين. وقد أشارت عدة تقارير دولية إلى هذه الانتهاكات. وبحسب القانون الدولي، فإن مثل هذا النوع من الاستيلاء يُعدّ محظورًا تمامًا في كل أنحاء العالم، وأي سلطة تقدم عليه تُعرّض نفسها لعقوبات لانتهاكها المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
هاتان الرسالتان اللتان وجّههما الرئيس بافل طالباني للمكونات لم تكونا مجرد تطمينات، بل تجديدًا لنهجٍ سياسي وإيمانٍ راسخ هو ذات الإيمان الذي حمله الرئيس الراحل جلال طالباني، والذي أكّد عليه في كتابه «الاتحاد الوطني الكردستاني لماذا؟»، حيث بيّن بوضوح هوية كردستان وأهمية المساواة والعدالة وتكافؤ المواطنة، معتبرًا أنه دون هذه الأسس لن تُصان سياسة باقة الورود التي انتهجها رفيقنا مام جلال.