عباس عبدالرزاق
تتناول الحالة السورية من حيث التحالفات الكبرى-الصغرى، السياسة الأميركية، الدور الروسي-الإيراني-التركي، الأبعاد الداخلية، والسيناريوهات المحتملة، مع استخدام مصادر أكاديمية ورسمية.
منذ اندلاع الأزمة السورية وما تلاها من حرب أهلية وتحولات، أصبحت سوريا ساحة مصغّرة لصراع نفوذ دولي وإقليمي. تحوّلت من دولة مركزية إلى منطقة متعددة النفوذ، حيث تتصارع رؤى الدول الكبرى — خصوصاً الولايات المتحدة — حول “ما بعد الأزمة” السورية، والتحالفات الاستراتيجية التي تأخذ أشكالاً متنقلة. وفق تحليلات الباحث سمير التقي، فإن الولايات المتحدة لا تسعى لإعادة بناء ضخمة في سوريا، لكنها تسعى للسيطرة على مسارها عبر إدارة الحضور والتحالفات.
إذًا، الهدف من هذه الورقة هو: تحليل السياسة الأميركية تجاه سوريا في ضوء التحالفات الدولية.
فحص أدوار روسيا، إيران، تركيا والمكونات المحلية.
استشراف سيناريوهات مستقبلية محتملة. تقديم توصيات للسياسات المتبعة أو التي يُمكن اتباعها.
السياسة الأميركية: من التدخّل إلى “إدارة المسار”
رؤية واشنطن وأولوياتها
بحسب تقرير من Brookings Institution، أولويات الولايات المتحدة في سوريا كانت قد ( منع عودة الدّولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ثم التأكّد من عدم تمكّن إيران من تعزيز نفوذها، ولكن القرار 2018 للانسحاب أثار شكوكاً حول التزام واشنطن طويل الأمد.
كما تُبرز ورقة Congressional Research Service بأنّ الانتقال السياسي في سوريا يتعرض لعوائق داخلية وخارجية بعد انهيار النظام القديم (حسب التقرير).
الباحث سمير التقي يرى أنّ واشنطن تريد “إدارة” سوريا وليس الانخراط الكامل فيها، بأن تكون سوريا ليست مسرحاً مفتوحاً لصراعات المحاور بل تحت سقف الولايات المتحدة ولو بشكل غير مباشر.
الأدوات الأميركية: الحضور العسكري والدبلوماسي
الحضور العسكري الأميركي في شمال-شرق سوريا من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يُعد من الأدوات الرئيسة.
وفق تقرير من شفق نيوز: “وُصف التواجد الأميركي بأنه ‘باب دوّار’، يتحرّك بلا إعلانات رسمية كثيرة، والانسحاب الكامل قد يُمهّد لعودة داعش أو فتح فراغ أمنيا كبيرًا”.
في نوفمبر 2025، أفادت وكالة رويترز بأن الولايات المتحدة تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية في مطار قرب دمشق لمراقبة تطوّر اتفاقية أمنية بين سوريا وإسرائيل، مما يشير إلى إعادة توازن استراتيجية.
التحديات الأميركية
انسحاب الولايات المتحدة أو تخفيف التزامها قد يفتح فراغاً تُملؤه روسيا وإيران. العلاقة مع تركيا عسيرة بسبب التوتر حول الملف الكردي وقسد. السياسة الأميركية تجاه إعادة الإعمار والعقوبات محدودة حتى يظهر مطلب بأن النظام أو الأطراف السورية مستعدة لإصلاحات سياسية وإدماج القواعد.
التحالفات الدُولية والإقليمية
روسيا
الدور الروسي في سوريا ليس مجرد دعم للنظام بل استثمار استراتيجي طويل المدى. ورقة بحثية حديثة تفصّل أن تدخل روسيا بدأ عام 2015 ويُعد استراتيجية «استعادة النفوذ» ضمن إطار تعددية القطبية، وليس دعماً مجرداً للنظام السوري. روسيا بقيت تسيطر على قواعدها في طرطوس وخميميم وتُدمج سوريا ضمن مشاريعها المشرقية.
إيران
إيران استخدمت سوريا كبوابة إلى الشام ولبنان، وإن عزّزت الميليشيات ودمجتها داخل المؤسسات السورية. هذا التمركز يُقلق الولايات المتحدة وإسرائيل. ويُظهر البحث أنّ العلاقة الروسية-الإيرانية ليست خالية من التوترات: روسيا تفضل دولة مركزية ومستقرة بنفوذ روسي أكبر، وإيران تسعى لهيمنة ميليشياوية ونفوذ غير مباشر.
تركيا
تركيا تدخلت عسكرياً في الشمال السوري، وتهدف إلى حماية حدودها ومنع قيام حكم كردي مستقل قربها. علاقتها مع الولايات المتحدة معقّدة بسبب قسد والملف الكردي. ورقة قديمة لـ سمير التقي ورايموند هيبنبوش عن العلاقات السورية-التركية تشير إلى تحوّلات خضعت لمصالح متغيّرة.
تحالفات محلية وشركاء
قسد: شريك أميركي في محاربة داعش،لكن المستقبل السياسي لقسد في سوريا غير واضح. النظام السوري والأطراف الموالية: تسعى لإعادة شرعيتها، لكن ما زالت مقيدة من العقوبات والافتقار إلى إعادة إعمار شاملة. الدول العربية: بدأت تُعيد التواصل مع دمشق ضمن سياسة احتواء، لكن ذلك مرتبط بظروف دولية وإقليمية.
البُعد الداخلي السوري
الشرخ في الدولة والمناطق المتعددة النفوذ
تُشير تقارير الداخل إلى أن سوريا أصبحت مكونة من مناطق نفوذ متعددة: منطقة النظام بمحور دمشق-حلب-بحر، مدعومة روسياً وإيرانياً.منطقة شمال-شرق تحت سيطرة قسد. منطقة الشمال الغربي/التركي تحت نفوذ الفصائل المدعومة من تركيا. هذا الواقع يُعني أن الدولة السورية الكلاسيكية تختبر تغيّراً جوهرياً نحو نظام أقل مركزية، أو ما يمكن اعتباره “دولة متعددة السرعات”.
التحديات الاقتصادية والبشرية
تقرير وكالة الاتحاد الأوروبي للاجئين (EUAA) لعام 2025 يوضح أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية لا تزال هشة، وأن إعادة الإعمار تواجه عقبات هائلة.
كما أن النزاعات المسلحة مستمرة بين الفينة والأخرى، وهناك انتشار واسع للمجموعات المسلحة (حركة تحرير الشام، داعش) حسب تقرير سياسة المملكة المتحدة لعام يوليو 2025.
الشرط السياسي: مفاوضات وتوافق داخلي
تحليل سمير التقي يؤكد أن الحل لا يمكن أن يكون فقط عسكريًا أو دبلوماسيًا خارجيًا، بل يحتاج إلى حوار وطني وتوزيع للسلطة يشمل كل المكونات، وإلا فإن الفُراغ السياسي قد يفتح الباب لصراعات جديدة.
-
سيناريوهات المستقبل
التقدم نحو تسوية سياسية
إذا توفّرت إرادة داخلية وإقليمية، قد يُطرح مسار تفاوضي يُفضي إلى تعديل دستوري وإجراء انتخابات — هذه الحالة يُعرّفها سمير التقي كـ «سيناريو النجاح».
التجمّد طويل الأمد
المسار الأكثر احتمالاً بالمدى المتوسط: استمرار الوضع الراهن المتشظّ، مع إدارة منطقية للأزمات لكن دون انتصار واضح أو إعادة بناء شاملة.
تصعيد جديد
في حال تراجع التوازنات أو تحرّك أحد المحاور بقوة أو انسحاب أميركي مفاجئ، قد نرى تجدداً للصراع أو صراع مباشر بين محاور (مثلاً تركيا-سوريا أو إسرائيل-إيران عبر سوريا).
توصيات سياسة

