د. خالد حسين
لاريب أن الجهد الذي يبذله أ. د. سربست نبي للإحاطة بالكينونة الكردية فلسفياً وسياسياً يحوز على تثمين عالٍ لديّ، علاوة على السجال الخطابي المباشر الذي يجعله مدافعاً شرساً عن حقّ هذه الكينونة في أن تؤطّر مصيرها. إلى ذلك؛ فهذه المساهمة أدناه تمثّل مقاربةً لمفهوم طرحه د. نبي حول “لا ــ تاريخية الأمة الكردية” وهي مساهمة من شأنها كما آمل أن تعمّق الجدال الفلسفي حول المفهوم الجسيم المتسم بالتسرع في التوصيف إلى حدّ مريع. بيد أنه في الأحوال كافة فالأمر لا يخرج عن الاختلاف في الرأي الذي لا يفسد للود قضية.
لا ترمي هذه المجادلة لأيّ تأسيس مزعوم لمفهوم التاريخ بقدر ما تسعى إلى التحرّك في إطار السّجال، وعليه يمكن تحديد تخوم هذا الفضاء السّجالي المرتقب بمقالٍ قصير ومهمٍ وخطيرٍ لـ د. سربست نبي بعنوان “الكرد كأمّة (لا تاريخية)”. ولن ينطلق الجدال من أية افتراضات مسبقة للكينونة الكردية سوى الإحاطة بكيان المقال ورصده استناداً إلى مفهوم “القراءة المحايثة”.
يضعنا المقال، في المقام الأول، إزاء مأزق العنوان ذاته: “الكرد كأمّة (لا تاريخية)”، فوسيلة المضاهاة [كــ] تؤدّي وظيفة الحاجز والمانع في العربية أمام انصهار المشبّه مع المشبّه به في وحدة مفهومية متماسكة “الكرد أمّة”، أي أنَّها تشير إلى كبح المسار التاريخي لتحوّل “الكرد” إلى “أمة”، بمعنى أنّ الكرد لايزالون في فضاء اللاشكل، اللاــ أمة، السّحابة الهيولى وهم بذلك لم يشغلوا (أو لم يدخلوا) فضاءَ التاريخ بعدُ. ولتعميق دلالة العبارة “الكرد كأمّة =الكرد أشبه بأمّة” فإنّ الكاتب يؤطرها تحديداً بالصفة الجسيمة (لا ــ تاريخية)، ليضع هذه الكتلة البشرية خارج التاريخ بخلاف الأمم الأخرى جملةً وتفصيلاً! هكذا يجد الكرد “ذاتهم” في عنوان المقال بين قوسين في حالةٍ طارئةٍ عن مشاغل التاريخ من حيث إنّ التاريخ غير معني بشؤون هذه الكتلة البشرية، أو إن التاريخ فيما يخصُّ الكرد يواجه اللاــ تاريخ. على هذا النحو؛ فإنّ العنوانَ ينضوي على الصيغة المعيارية التي يتوخاها د. سربست نبي حيث لم يرتق الكرد إليها ومفادها: “الكرد أمة (تاريخية)”! هنا، ولا زلنا في إطار خطاب العنوان، ينهض سؤال مرتقب: ما التاريخية؟ إنَّ الأمرَ في بداهاته يخصُّ تمزيق الزّمن بحدث تأسيسي، إحداث ثغرة في المسار الخطي له، وذلك بمنح الزّمن في نقطة منه رشقةً من المعنى. هكذا يمكننا أن نتحدّث ببساطة عن اللاتاريخـ(ـية) بمواجهة التاريخـ(ـية) بالمعنى البسيط للمفهوم قبيل الانتقال إلى جسد المقال للإحاطة بمفهوم “التاريخية” لدى الباحث. في هذا السياق يمكننا الحديث عن تمزيق غشاء اللاــ تاريخ بحدث تاريخي يتمثّل بالتسمية ذاتها؛ أي “الكرد” اسماً لكتلةٍ بشريةٍ، فهذه التسمية، التي تهب الاختلاف، تضع الكتلة البشرية ذاتها على مسار الزَّمن التاريخي [بمعنى إخضاع الزمن للتجربة الإنسانية] تمهيداً لإنجاز كينونتها ومن ثم الانتماء إلى ما يُسمَّى بـ”الأمة التاريخية” إدراكاً ومصيراً، وذلك بجعلها كتلة تاريخية فاعلة ضمن شروط الفضاء الجيو ــ سياسي والقوى المؤيدة والمضادة. بهذه الصّورة يمكننا الإقرار، وبخلاف العتبة التي انطلق منها د. سربست نبي، أنّ “الكرد” يشكّلون كتلة بشرية لا تنفك تبتكر سردياتها التاريخية حتّى وإنْ لم تنجح في إزاحة القوى المهيمنة عن فضائها الجيو ــ سياسي في العصر الحديث، فهي على إدراكٍ حادٍّ بمصيرها: الإمبراطورية الميدية، الساسانية، دولة بني الأكراد [الدولة الأيوبية]، الانتفاضات الكردية العارمة: عبيد الله النهري، الشيخ حفيد، سمكو، پيران، سيد رزا، إحسان نوري باشا، جمهورية مهاباد، برازني، …إلخ فهذه العلامات تشكل تاريخاً سيميائياً لهذه الكتلة البشرية في مطاردتها للمصير التاريخي المتسم بالتجلي والاحتجاب.
كما يلحظ القَارىء فإنّني أستخدمُ مفهوم “الكتلة البشرية” بديلاً عن مفهوم “الأمة” الذي بات باهتاً في المقاربات التاريخية والفلسفية، فالكتلة البشرية إما أن تكون فاعلة أو هامدة فيما يخصّ صناعة التاريخ، واستناداً إلى ذلك وما تقدّم من تحليل دعونا نحيط بـ”البداية”، المنطلق، نقطة شروع الفكرة التي ينطلق منها الكاتب: “الكرد أمّة لا تاريخية، فهي لم تسجّل تاريخها بنفسها وبلغتها، ومن منظور وعيها بذاتها في التاريخ، وإن كانت مساهمتها فيه بهذا القدر أو ذاك. ومعظم الوثائق والسجلات التاريخية، كتبها آخرون عنها”. وبتسليط الضوء على شذرة “البداية”، يباغتُنا الكاتب بشظيةٍ قائمةٍ على المصادرة وغياب المرجع التاريخي “الكرد أمّة لا تاريخية”، حيث يزيل الكاتب أداة المضاهاة ويرفع القوسين لكن الدّلالة تحافظ على قَوَامِهَا فاللاــ تاريخية لاتزال تدمغ جسد الكرد في تناسٍ غريبٍ ومفجعٍ لخطورة التسمية بوصفها حدثاً تأسيسياً للتاريخ. وفي الواقع؛ فـ”الكرد” اجتازوا عتبة العطالة الزمنية، الزمن غير الدّال، الزمن المحض المكنون في عُهدة الآلهة عن طريق اجتراح “تسمية” لهم، لا ندرك على وجه اليقين متى انبثقت لكنها رسمت حدّاً، عتبةً، شرخاً، صدعاً بين اللاتاريخ والتاريخ، بينهم وحتى بين بقية الشعوب الإيرانية الأقرب إليهم؛ وهو الأمر الفادح الذي لم ينتبه إليه الكاتب، فالتسويغات التي يقدّمها للتأكيد على (لا ـ تاريخية الأمة الكردية) يمكن تقويضها وتفتيتها بسهولة، فالزعم أن “الكرد” لم يكتبوا تاريخهم بلغتهم وفق منظورهم للعالم وأن سجلاتهم مكتوبة بأيدي الآخرين أمرٌ منافٍ للواقع التاريخي لأي كتلة بشرية صغيرة ناهيك عن الكرد، فالتاريخ ليس خاصّاً بالسرديات الكبرى وإنما كذلك يتجلّى عن طريق السّرديات الصغرى في الممارسات الدلالية لشعبٍ ما، في الرقص والملابس والغناء وسرديات الأدب والأحداث الاقتصادية والسياسية والطبيعية والحروب وفق مفاهيم مدرسة “الحوليات التاريخية” أو “التاريخ الجديد”. وهنا يمكنني أضرب مثالاً على الوعي التاريخي لدى الكرد بملحمة “ممي آلان” حيث يحضر التاريخ والوعي بالتاريخ، بل إنّ قوة الوعي بالمصير في هذه الملحمة هو الذي دفع شاعر الكرد أحمد خاني إلى الاندفاع بهذا الوعي وتجذيره خطواتٍ متقدمةٍ بخصوص “الهوية القومية” وعلاقتها بـ”الأرض” في ملحمته “مم وزين”، بطابعها التناصي، المبنية في الأصل على الملحمة الشعبية. أما فيما يتعلق بحضور “الآخر” في كتابة تاريخ الكرد، فالأمر يستغرق كل الشعوب المحيطة بالكرد وليس الكرد استثناء في ذلك، فهذه الشعوب حتى هذه اللحظة تستقي معلوماتها الأولى عن جذورها الأسطورية الأولى من “تاريخ هيرودوتوس”، وهذا لا يطعن في الكرد تاريخياً كما تسرّع الكاتب في حُكمه الغريب. وللتأكيد على صوابية ما يمضي إليه لترسيخ البعد اللاتاريخي للأمة الكردية يقول: “حتى شرفخان البدليسي لم يكتب كتابه الذائع الصيت (الشرفنامه) في أواخر القرن الخامس عشر وبدايات السادس عشر، لدواع أو من منطلقات قومية، وإنما كتبه باللغتين الفارسية والتركية، وليس بالكردية، بإيعاز مباشر من السلطان بايزيد الثاني، كأحد الموارد المعرفية لشرعنة حكم العثمانيين وتكريسه على ولايات كردستان. ومثّل هذا العمل منعطفاً في أسلوب ومنهج كتابة التاريخ لدى العثمانيين، لتمجيد التاريخ الرسمي للسلطة العثمانية. بهذا الاعتبار، كان الكرد موضوعاً للتاريخ، دون أن يشكّلوا ذاتاً له. وكان وعيهم بالتاريخ على الدوام وقراءتهم له من منظور الآخر ومصالحه، وغاب لديهم وعيّ ذاتي بصناعة التاريخ والتنظيّر له“. لنتأمل هذا الكلام الخطير: في البداية، وتبعاً لترجمتين عربيتين للكتاب بين يديّ [الأولى لمحمد جميل بندي روژ بياني، ط1، 1953 الثانية لمحمد علي عوني، ط2، 2006] فالكتاب جرى تأليفه باللغة الفارسية وحدها دون التركية، كونها اللغة الأكثر انتشاراً في الجغرافيا السياسية عصرئذٍ. وبغضّ النظر عن أسباب تكليف كتابة الكتابة، فثمة في الكتاب ما يُبطل ما ذهب إليه الكاتب فيما يخصّ كون “الكرد موضوعاً للتاريخ دون أن يشكلوا ذاتاً له”. في الواقع أنّ الكتابة التاريخية بوصفها واقعة تاريخية مشروطة بعوامل عديدة، وحتى لا ندخل في تعقيدات اصطلاحية بعلم السرد الأدبي والسرد التاريخي، يمكننا القول إن الذات الكاتبة (شرف خان البدليسي) أمير كردي، أي موضوع الكتاب سيخضع لرؤيا العالم لديه، فالذات الكردية في صورة الأمير الكردي هي التي تهيكل موضوع الكتاب الذي لا يقتصر على “الكرد” موضوعاً (الجزء الأول: في تاريخ الدول والإمارات الكردية) بل الترك والفرس كذلك (الجزء الثاني: في تاريخ سلاطين آل عثمان ومعاصريهم من حكّام إيران وتوران). إن الذات الكردية تصنع التاريخ هنا بوعي وتُخضع “الآخر” إلى رؤيتها. علاوة على ذلك فقد غاب عن د. نبي أمر في غاية الخطورة يتمثّل بتقديم “الكرد” على “آل عثمان والفرس” موضوعاً، فالجزء الأول يخصُّ الكرد وحدهم وهذا الترتيب الشكلاني من شأنه أن يشكّل علامةً بقوة سيميائية مضاعفة على تقدّم الوعي التاريخي [أي الوعي بالذات وبالمهمة التاريخية لكتلة بشرية ما] لدى (شرف خان البدليسي) كما لو أنه يقرُّ بطريقة غير مباشرة على أسبقية الكينونة الكردية في تمزيق العماء الزمني وتأسيس الوجود التاريخي. غير أن هذا الوعي لا يترتّب على هذا التأويل المترشّح عن القراءة وإنما يمكن مواجهته في مقدمة الكتاب ذاته:”…وأن أسمّيه باسم “شرفنامه”وذلك حتى لا يبقى صيت الأُسَر الكردية ذات الأثر الفعّال في حياة كردستان العامة في حجاب السر والكتمان، ص51، طبعة دار الزمان”. والسؤال الذي ينهض: هل يمكن استبعاد الوعي الكردي في كتابة هذا المصنف التاريخي العظيم في القرنين الخامس والسادس عشر ومن ثم هل يجوز وصم الكرد كونهم مجرد صدى لمنظور الآخر في كتابة التاريخ بوصفها “إعادة خلق الماضي”؟
يستمر د. نبي في التحرّك ذاته على مسار القراءة اللاــ تاريخية في رصدٍ سديميٍّ لظاهرة الوعي التاريخي المتبلورة على صعيدي الواقع الحدثي والكتابة التاريخية :”في العصر الحديث، عصر الحركات القومية، لم يمتلك الكرد نظرية في التاريخ، وحتى الآن يفتقرون إلى فكر تاريخي أو فلسفة في التاريخ، نظير أي جماعة قومية أخرى، وهذا ما يفسر لديّ، في الحدود الدنيا، غياب وعي أو خطاب قومي مشترك بالمصير، عندهم، فالوعي القومي بالمصير لدى الكرد لا يتعدى في أحسن الأحوال وعياً بالتضامن الإنساني بين أيّ جماعتين قوميتين يعانيان قهراً مشترك”. مَنْ يتأمّل كلام الكاتب في هذا المنعطف سيتخيّل أنّ الكرد لا صلةَ تربطهم بكوكب الأرض وأن عصر القومية مرّ عليهم وهم نيام ولم يستيقظوا حتى اللحظة الراهنة. غير أنّ الوقائع السياسية للكرد في القرنين التاسع عشر والعشرين تكشف إلى أنّ أحداث هائلة أبقظت الوعي العميق بالمصير لغةً وجغرافيا وكينونةً؛ فانتفاضات عبيد الله النهري، الحفيد، سمكو، پيران (بالمقارنة مع الإخونجي النورسي)، سيد رزا، إحسان نوري باشا، والحدث العظيم المتمثّل بقيام جمهورية مهاباد، الثورة الهائلة التي قادها البرزاني…إلخ…وحتى اللحظة التي أكتب فيها، أقول هذه الانتفاضات كان الوعي القومي هو الذي يحرّكها، فعبارة تاريخية من مثيل “كردستان أو الفناء” Kurdistan yan neman تمثّل الوعي بالمصير وبشكل تراجيدي. أما إذا انتقلنا إلى ما يومىء إليه الكاتب من افتقاد الكرد إلى فكر تاريخي؛ فيمكن النظر إليه على أنه “فشة خلق” أو مجرّد كلام طارىء؛ إذ يمكن بسهولةٍ أنّ يدلف المرء إلى المكتبة التاريخية باللغة الكردية (السّورانية هنا) ويقرأ مصنفاً عظيماً مكتوباً بوعي تاريخيّ عالٍّ لصناعة التاريخ وروح كردية خالصة، وفي الثلاثينات من القرن العشرين، أقصد على وجه التحديد: كتاب “خلاصة تأريخ الكرد وكردستان: من أقدم العصور التاريخية إلى الزمن الحاضر” لمحمد أمين زكي الذي كان على جانب باهر من الثقافة التاريخية وعارفاً باللغات، فهذا الكتاب في التاريخ الكردي يمهّد الطريق للمفكر السياسي أو مشتغل الفلسفة (المفكر التاريخي) بالقدوم؛ ليضع الترسيمات الأولى لفكرٍ تاريخيٍّ (أو فلسفة للتاريخ). إنّ المؤرّخ الذي يُعيدُ خلق “الماضي” وتشكيله من ركام الوثائق عن طريق فرض شكلٍ سرديّ على المادة التاريحية يتيح الممرّ ليس لانبثاق سحابة معنى الماضي فحسب في صلته بالحاضر وإنما يرسم المسار لتشييد فلسفة للتاريخ. وإذا تخطينا المثالين اللذين طرحهما الكاتب لتمثيل الرؤية التي ينطلق منها، فإنه يخلص في خاتمة المطاف إلى أنّ “جميع الحركات الاجتماعية القومية، الغربية والشرقية، في القرنين الأخيرين وقبل شروعها بممارسة التاريخ الحديث وصناعته، وإثبات دورها، كانت تطرح رؤيتها النظرية في التاريخ كي تبرر بها مهامها على مسرح التاريخ، ثم تشرع بممارسة التاريخ وصناعته بوساطة ثوراتها، إلا الأمة الكردية، التي شذّت عن هذا القانون التاريخي العظيم، وشرعت بالثورات والتمرد القومي قبل الجميع، بهدف صناعة تاريخها، وكان الفشل، بكل أسف، على الدوام عاقبة ذلك“. لكن الأمثلة، المطروحة من جهة هذا التعقيب، لا تعدم الفكر النظري التاريخي، ولاسيما في كتاب محمد أمين زكي تمثيلاً، فالتاريخ بوصفه خلقاً للماضي يحضر بكثافةٍ وغزارة، ومن ثمّ فالكرد لايشذّون عن الأمم الأخرى في هذا الصّدد. أما فشل الثورات والانتفاضات الكردية؛ فيرتبط بتكالب العوامل الخارجية في غياب الإرادة الدولية في السابق، وحينما تحضر “الإرادة الدولية” راهناً، بوصفها عاملاً مساعداً ورادعاً، يتقدّم الكرد في مسار التاريخ، فالمصير المرهون بترسيخ الكينونة في فضاء “جيو ــ سياسي” لا يمكن الحديث عنه بمنأى عن “الإرادة الدولية” بخصوص “الكرد” الذين أوقعتهم السياسات الدولية في جغرافيا مغلقة، فالانكسارات الكردية لا تحيلنا إلى غياب الفكر التاريخي وصناعته بقدر يتعلق الأمر بمكر السياسات الدولية تجاه الكرد، وهذا لا يعني بحال التنكر للانكسارات الذاتية للكرد بذاتهم في إنجاز وضعيتهم التاريخية ومصيرهم ككينونة وأرض بالمعنى بالسياسي ــ الجغرافي.
وفي خاتمة المطاف يخلص الكاتب إلى نتيجةٍ تلائم العتبة التي شرع منها ومفادها: “ومع هذا لم يتشكل لديها، كأمة، حتى الآن وعيّ نقدي ونظري بلغز فواتها التاريخي، واستمرت حتى الآن كأمة لا تاريخية، كما أزعم. إن هذه النتيجة تبدو مستساغة ومقبولة نسبياً، لكنها تغدو قاسية بشدة على شعورنا حين نعلم الدرس الأهم في التاريخ، هو إن الأمة اللا تاريخية لا تشكل شعباً بعد”. لا يمكن بحالٍ الإقرار بهذه النتيجة المتسرعة في قراءة التاريخ الكردي على هذا النحو، فكون “الكرد أمة لاــ تاريخية” لا يصمد أمام التحليل ويمكن، هنا، تقديم أمثلة من راهننا على تعاظم البعد التاريخي للكرد والدور الهائل لوسائل الميديا في صناعة التاريخ الكردي الجديد: مأساة شنغال وتحريرها، هزيمة داعش في الباغوز، حادثة جينا أميني، …إذ كان ذلك كذلك؛ فأعتقد أنّ الوجود الكردي يتخطّى المفهوم التقليدي “للشعب” و”الأمة” إلى مفهوم “الكتلة البشرية” القائم على التمفصل وذلك بالنظر إلى الوضعية الجيو ــ السياسية للكرد راهناً في أربعة بلدان، فتحريك هذه “الكتلة” منوطٌ بفعالية وسائل الميديا بصورة فعالة وهذا ما يجري على أرض الواقع. وأخيراً فالكرد ينسجون تاريخهم، ينسجون سرديتهم القائمة على الاختلاف والإخلاف: سردية مفتوحة على الآتي، فهم مصرّون على الوجود في التاريخ…!