في الأيام الأخيرة من حملة انتخابات الدورة السادسة لمجلس النواب العراقي، أقام الاتحاد الوطني الكردستاني تجمعاً جماهيرياً واسعاً في ملعب السليمانية الدولي، في مدينة المحبة، مدينة الشهيد شيهاب والشهيد آرام.
جمهور غفير مليء بالحماس والأمل بالنصر، شباب بدماء حامية ِآملين النصر، نساء شامخات كالشيهانات، شيوخ بقلوب دافئة، كانوا يتدفقون امواجاً في باحةِ الملعب نحو شمس الحرية. و كان المشهد بحق مسك الختام.
مع عدد من رفاق القيادة وكوادر الاتحاد المتقدمين، حضرنا هذا الكرنفال في السليمانية. وفي هذا الكرنفال، انجذب فكري و وعيَ كلياً نحو ذكرى شهداء الاتحاد الوطني الكردستاني .
اختلط في قلبي فرح اليوم وإحتِفالَهُ بنار وحُزنِ الأمس. كنت اصرخُ في أعماقي بصمت وأقول: رفاقي، لا تُنسوا أيام الشدّة في ثورة كردستان الجديدة، دماء الشهداء، وعرق وتعب البيشمركة والمناضلين الذين صنعوا من اليأس أملاً، فهم الذين أوصلونا إلى ما نحن فيه اليوم.
من حولي كنت أسمع كثيراً اسمي “حمه” و“محمد”، على الفور عاد إلى ذهني حمه شاسوار ومحمد ياور.
حمه شاسوار ذلك الرجل الذي جعل حياته كلها نضالاً في سبيل شعبه، وكان أحد بيشمركة ثورة أيلول البارزين في كتيبة كفري. وُلد حمه شاسوار عام 1936 في قرية (ئاوەخوێڕی)، وكان رجلاً حنطي البشرة نحيفاً نشيطاً متواضعاً. لم يكتب لي أن ألتقيه، لكن اسمه وشهرته كانا بارزين كقلعة (شێروانە) في منطقة( گەرمیان ) كلها.
في خريف 1980، وفي حوض الوادي الواقع بين قريتي (شێخ تەویل) و (قڵاتۆبزان)، استشهد حمه شاسوار مع كلِ من حسن الحاج حسين الكلاري وحمه مامه لي وعمر فرج بعد أن غدر بهم العميل والمرتزق تحسين شاويس مع أفواجِهِ الخفيفة،قطعوا رأس حمه شاسوار وأخذوه إلى أسيادهم في (چەمچەماڵ)، فيما دُفن جسده بلا رأس في مقبرة قرية (سەی خەلیل) في أرض (گەرمیان)الطاهرة. بقيت روحه لسنوات طويلة تحوم كصقر شامخ فوق سماء (گەرمیان)بحثاً عن جسده الطاهر، حتى استعاد أهله رأسهُ الطاهِر بعد سنوات وتوَسُلٍ ومعاناة طويلة، ودفنوه مرة أخرى مع جثمانهِ كتاجُ فَخرِ ورفعة.
وبعد استشهاد والده، التحق ابنه الشاب اليافع علي لمدة من الزمن بالبيشمركة في مناطق (گەرمیان) مع محمد ياور.
كان محمد ياور عبقِ بساتين خانقين،وباقة ورد تنظيماتِ (کۆمەڵە). وبعد التحاقه بالثورة وإكماله دورة الكوادر بصفَةِ كادرٍ سياسيِ، جاء إلى(گەرمیان).
وُلد عام 1947 في قرية (جبراوه) قرب خانقين. كان رجلاً وسيماً قوي البنية، طويل القامةكالخيزران، أبيض البشرة، أسود الشعر، حاد النظرات، بهيج الملامح،ينشرُ الحُسنَ بمشيتهِ،كانَ يساري الفكر، وصديقاً مقرباً من الشهيد مجيد غاندي.
وفي 10 أيلول 1981، قرب بئر قرية (تووەقوت)، استشهد محمد ياور مع الشهداء ئومێد شاکەلی و جبار الحاج حسين على يد حمه أَحَمدالفراش وأفواجِهِ الخفيفة، الذي أخذ الجثمان المقدس للشهيدين محمد ياوه ر و ئومێد شاکەلیإلى السلطات في كلار، ولم تُسلّم جثمان محمد ياور لأهله، ومُنَعَوا أهلَهُ من أن يُعيدوا الجثمان َ إلى خانقين. ودفنتهُ البلديَةُ في كَلار،ونصب لهُ الخيرين من أهالي (گەرمیان) تمثالاً يليق به عند بوابة مدينة كلار.
من الواضح والجليّ أن شجرة الحرية إن لم تُسقى بالدم فلن تُثمِر،هذا الجمهور اللامُنتهي العدد، وهذه الإنتصارا ت والأَمجاد جاءت بدماء الشهداء وجهدِ وَ تَعَبِ بيشمركة تنظيمات الاتحاد الوطني العريقة.
لذلك علينا أن نصون هذه الأمانة كبؤبؤ أعيُنِنا ، وأن نخصبَها بالجيل الجديد، وأن نرفع راية الاتحاد الوطني عالياً ، وأن نُلَوِحَ بنهج الراحل مام جلال بقوةِ أكبر.