الكاتب..محمد عبيد حمادي
في الحادي عشر من تشرين الثاني 2025، يتجه العراقيون مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع، محملين بآمال كبيرة وتطلعات مشروعة نحو مستقبلٍ أكثر استقرارًا وعدالة. هذه الانتخابات البرلمانية تمثل محطة مفصلية في مسار التجربة الديمقراطية العراقية، ليس فقط لكونها استحقاقًا دستوريًا، بل لأنها تأتي في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد، حيث تتقاطع التحولات السياسية مع التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتتزايد فيها الحاجة إلى وعيٍ شعبيٍّ عميق وإعلامٍ وطنيٍّ مسؤول.
لقد أدرك العراقيون عبر دورات انتخابية متعاقبة أن الممارسة الديمقراطية لا تُقاس فقط بنسبة المشاركة أو بعدد المقاعد، بل بمدى وعي الناخب وقدرته على التمييز بين الخطاب الوطني الصادق، وبين الشعارات العابرة التي تستغل العاطفة والظروف. وهنا يبرز دور الإعلام بوصفه القلب النابض للعملية الانتخابية، والعين التي تنقل الحقيقة دون تحريف، والصوت الذي يوازن بين حق المواطن في المعرفة وواجب الدولة في حماية النزاهة. الإعلام، بمختلف وسائطه، أصبح اليوم شريكًا أساسيًا في بناء العملية الديمقراطية، إذ لم يعد مجرد ناقلٍ للأخبار أو وسيطٍ بين المرشح والناخب، بل صار لاعبًا مؤثرًا في تشكيل اتجاهات الرأي العام وصناعة الوعي السياسي. فالإعلام المهني الوطني لا يكتفي بتغطية الأحداث الانتخابية، بل يتجاوزها إلى تحليل البرامج، وتفنيد الوعود، وكشف التضليل، والتصدي للأخبار الكاذبة التي تُبث عبر الفضاء الرقمي في محاولة للتأثير على خيارات المواطنين. وفي هذا السياق، تتحمل المؤسسات الإعلامية العراقية مسؤولية مضاعفة في هذه الدورة الانتخابية تحديدًا. فهي مطالبة بترسيخ ثقافة الانتخاب الحر الواعي، وتعزيز ثقة المواطن بصوته، وتقديم نموذج مهني يليق ببلدٍ خاض تجارب صعبة وثبت أنه قادر على النهوض من كل أزمة. فكل كلمة تُقال، وكل صورة تُبث، وكل منشورٍ يُنشر على منصات التواصل، يمكن أن يسهم في تشكيل رأي أو زعزعة آخر. لذلك فإن الدقة، والحياد، والمصداقية ليست مجرد شعارات مهنية، بل هي خطوط دفاع أولى عن نزاهة الانتخابات ذاتها.
كما أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تواجه تحديًا لا يقل أهمية عن أي جانب آخر، إذ يعتمد نجاح العملية الانتخابية على قدرتها في التعاون مع وسائل الإعلام بشكل شفاف ومنظم، يضمن تدفق المعلومات الصحيحة إلى الجمهور، ويمنع استغلال المنصات الإعلامية في التحريض أو التضليل.
ولا يمكن تجاهل الدور المتنامي للإعلام الرقمي، الذي بات ساحة مفتوحة للنقاش والتأثير، لكنه في الوقت نفسه، ساحة خصبة للشائعات والحملات الموجهة. هنا، يصبح دور الصحافة المهنية التقليدية أكثر أهمية من أي وقت مضى، فهي التي تملك الأدوات للتحقق، والخبرة لفرز المعلومة الصحيحة من الزائفة، والقدرة على بناء سردية وطنية جامعة تُعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
إن نجاح الانتخابات المقبلة لن يُقاس فقط بسلامة صناديق الاقتراع، بل بسلامة الوعي الجمعي الذي يصنع القرار. والإعلام الوطني، إذا ما أدى رسالته بشرف واحتراف، سيكتب الفصل الأجمل في تاريخ الديمقراطية العراقية، وسيبرهن أن الكلمة الصادقة قادرة على حماية الوطن تمامًا كما تفعل صناديق الأصوات.
فالعراق، الذي واجه في تاريخه محنًا كثيرة، يستحق أن يسمع في هذا الموعد الانتخابي صوت الحقيقة لا الصدى، وصوت الوطن لا الضجيج. والإعلام، كما كان دائمًا، هو المرآة التي تعكس وجه العراق الحقيقي… عراقٌ يختار، ويفكر، ويصوّت من أجل غدٍ أفضل.
المصدر .. الصباح

