عباس عبد الرزاق
شهدت الساحة السياسية السورية في السنوات الأخيرة نقاشًا واسعًا حول طبيعة النظام السياسي المستقبلي للدولة، ولا سيّما بعد التحولات الإقليمية والدولية التي أعادت رسم ملامح التوازنات في المنطقة. وقد برز اسم أحمد الشرّ ع كأحد أبرز الفاعلين السياسيين في المرحلة الانتقالية، إذ شكّلت تصريحاته ومواقفه من قضايا الإصلاح والدستور والفيدرالية محور اهتمامٍ متزايد في الصحافة العربية والعالمية على حدّ سواء.
تهدف هذه الدراسة إلى تقديم تحليل أكاديمي موثّق لموقف الشرّاع من النظام الفيدرالي، بالاستناد إلى ما نُشر في أبرز وسائل الإعلام الدولية، مع رصدٍ للاتجاهات المختلفة في تغطية هذا الملف، وتوضيح خلفياته السياسية والإقليمية.
الخلفية العامة للنقاش حول الفيدرالية
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، طُرحت فكرة الفيدرالية باعتبارها أحد الحلول الممكنة لإنهاء الصراع وضمان تمثيل المكوّنات المتعدّدة في البلاد. إلا أن هذه الفكرة واجهت رفضًا شديدًا من أطراف سياسية عدّة خشية أن تؤدي إلى تقسيمٍ فعلي للدولة. ومع تصاعد نفوذ القوى المحلية والإقليمية، وخاصة في شمال وشرق سوريا، بدأت تظهر نماذج من الإدارة الذاتية التي وُصفت بأنها تمهيدٌ لنظام فيدرالي محتمل.
في هذا السياق، اتخذ أحمد الشرّاع موقفًا متوازنًا؛ فهو لم يُعلن رفضه التام لمبدأ اللامركزية، لكنه أكّد في تصريحات عدّة أن وحدة الأراضي السورية “خط أحمر” لا يمكن المساس به.
موقف أحمد الشرّع – عرض زمني وتحليل
27 أبريل 2025 – وكالة رويترز:صرّح مكتب الشرّاع بأنّ الحكومة السورية لا تفكّر في أي نظام فيدرالي أو تقسيمي، وأنّ الأولوية هي “استعادة السيادة الوطنية وإعادة الإعمار ضمن دولة موحّدة قوية”.
15 سبتمبر 2025 – قناة العربية:أكد الشرّاع أن أي حديث عن الفيدرالية في هذه المرحلة “سابق لأوانه”، وأن البلاد بحاجة أولًا إلى استقرار سياسي ومؤسساتي قبل الدخول في تعديلات هيكلية.
10 نوفمبر 2025 – لقاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب:تناولت المحادثات ملفات الإعمار والعقوبات، ولم تُسجّل أي موافقة رسمية على الفيدرالية. وقد فسّرت بعض الصحف الأمريكية حذر الشرّاع على أنه موقف واقعي يوازن بين الضغوط الأمريكية والمخاوف الروسية والإيرانية.
آراء الصحافة العالمية
الولايات المتحدة
The Washington Institute (يونيو 2025): يرى المعهد أنّ الفيدرالية الجزئية قد تسهم في استقرار سوريا على المدى البعيد، لكنها تحتاج إلى “توافق سياسي شامل لا يمكن فرضه بالقوة”. ويصف الشرّ ع بأنه “حذر وميلُه نحو المركزية واضح، لكنه منفتح على إصلاح إداري موسّع”.
Foreign Policy Research Institute (سبتمبر 2025):أشار إلى أنّ واشنطن تفضّل نموذج اللامركزية الإدارية دون فيدرالية سياسية، وأنّ الشرّاع يدرك حساسية هذا الطرح في الداخل السوري، لذلك يتجنّب أي التزام علني.
المملكة المتحدة
The Guardian (22 ديسمبر 2024): كتبت أن الشرّ ع يَعتبر وحدة سوريا ركيزة للسلام الدائم، وأنّ تبنّيه للفيدرالية “غير مرجّح”، إلا إذا جاءت كجزء من تسوية دستورية برعاية دولية تضمن بقاء مركز القرار بيد الدولة.
فرنسا
Le Monde (29 يناير 2025): تناولت الموضوع من زاوية أوروبية، معتبرة أن الاتحاد الأوروبي يشجّع إصلاحات تدريجية نحو الحكم المحلي، لكنها لاحظت أنّ الحكومة السورية ما زالت تتحفّظ على مصطلح “الفيدرالية”.
المراكز البحثية العربية والدولية
Arab Center Washington DC (فبراير 2025): خلص إلى أنّ الحكومة السورية بقيادة الشرّ ع لا ترى في الفيدرالية سوى تهديدٍ لوحدة الدولة، لكنها منفتحة على الحوار حول إدارة محلية موسّعة في مناطق الشمال والشرق.
التحليل السياسي العام
تُظهر معظم التحليلات الصحفية أنّ موقف الشرّع من الفيدرالية لا ينبع فقط من الاعتبارات الدستورية، بل أيضًا من التوازنات الإقليمية والدولية. فروسيا وإيران تُعارضان أي صيغة قد تُضعف مركز دمشق، بينما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان اللامركزية كآلية لتقليص النفوذ الإيراني والروسي في المناطق الداخلية. من ثمّ، يبدو أنّ الشرّاع اختار
الحيادالمدروس؛ فلا رفض مطلق للفيدرالية، ولا قبول فعلي بها، وإنما تبنٍّ تدريجي لفكرة الإصلاح الإداري اللامركزي.
حتى نوفمبر 2025، لم يصدر عن أحمد الشرّ ع أي إعلان رسمي يؤيّد النظام الفيدرالي في سوريا.
ويُجمع معظم المراقبين على أن الشرّ ع يوازن بين الضغوط الدولية ومقتضيات الاستقرار الداخلي، مفضّلًا العمل على نظام إداري مرن ضمن دولة موحّدة. إنّ مستقبل الفيدرالية في سوريا يبقى رهينًا بمدى التفاهم بين القوى الوطنية والدولية، وبقدرة البلاد على تجاوز آثار الحرب وإعادة بناء مؤسساتها السياسية.
المراجع والتوثيق

