القاضي مثله مثل أي مواطن في المجتمع يشخص الخطأ أو سلبية ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ويعاني من أثرها السلبي باعتباره جزءاً من المجتمع، لكن معاناته هذه تكون بدرجة أكبر لأنه يجد نفسه عاجزا عن ممارسة دوره كقاضٍ لمعالجة هذا الخطأ ومساءلة مرتكبه باعتبار أن ذلك من صميم واجباته كقاضٍ، وهذا العجز سببه عدم وجود نص دستوري إزاء الخرق الدستوري أو عدم وجود نص قانوني إزاء الفعل الذي يعتقد البعض أنه فعل يجب مساءلة مرتكبه ذلك أن القاضي مقيد بالقاعدة الدستورية المنصوص عليها في المادة (19/ ثانيا) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) كذلك القاعدة القانونية المنصوص عليها في المادة (1) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل التي تنص على (لا عقاب على فعل أو امتناع إلا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه).
لذا فإن الخروقات الدستورية أو الأفعال غير المقبولة اجتماعيا وأخلاقيا لا يمكن للقاضي مساءلة مرتكبها سواء مؤسسات أو أفراد إلا بوجود نص صريح يعاقب عليها وفق الشروط القانونية التي ينظمها النص الدستوري أو القانوني، ومثال على ذلك أن القضاء يدرك تماما الآثار السلبية للخروقات الدستورية التي حصلت بعد الانتخابات التشريعية في تشرين الاول سنة 2021 المتمثلة بعدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية في تشكيل السلطة التنفيذية بشقيها رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بحسب نص المادة (66) من الدستور، ورغم وضوح هذا الخرق الدستوري إلا أن القضاء لم يكن قادرا على معالجة هذا الخرق أو مساءلة مرتكبيه بسبب عدم وجود نص دستوري يجيز له ذلك، وهذا ما لمسناه جليا في قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 132 وموحداتها 17 دعوى/اتحادية/2022 الصادر بتاريخ 7 /9 /2022 بخصوص دعوى طلب حل مجلس النواب إذ رغم أن القضاء يتفق مع المدعي في تلك الدعوى واقعيا بوجود خروقات دستورية مرتكبة من قبل مجلس النواب وشخص
تلك الخروقات بشكل واضح إلا أن القضاء الدستوري رد الدعوى بطلب حل مجلس النواب لأن جزاء هذا الخرق (حل المجلس) أوكلته المادة (64) من الدستور الى مجلس النواب ذاته بأن يحل المجلس بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه إما بناء على طلب من ثلث أعضائه أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.
كذلك بررت المحكمة الاتحادية قرارها -وهي على صواب في ذلك- بأن اختصاصاتها محددة دستوريا بموجب المادة (93) ولا يوجد بينها صلاحية حل مجلس النواب، وإزاء وضوح هذا النص فلا مساغ للاجتهاد بخلاف ما ورد فيه.
هذه الحالة وغيرها توجب إعادة النظر بصياغة مواد الدستور المعرقلة لتشكيل السلطات الدستورية والتي سببت حالة الانسداد السياسي وما رافقها من أحداث مؤسفة بأن يتم النص على جزاء مخالفة أي نص دستوري بنفس النص بصياغة واضحة غير قابلة للاجتهاد أو التأويل.
فائق زيدان
10 ايلول 2022