عباس عبد الرزاق
منذ سنوات تتحوّل “ذكرى السليمانية” إلى مناسبة صاخبة تملأ الشوارع بالموسيقى المرتفعة والاحتفالات العشوائية، فيما تبقى ذاكرة المدينة الثقافية والنضالية مطوية مثل ستارة مسرحٍ قديمٍ لم تُفتح منذ زمن طويل. هذا التناقض الصارخ هو ما تلتقطه الكاتبة گەزیزە عمر في نصّها الأخير، حيث تطرح سؤالًا مُرًا: “كيف صار يوم المدينة يومًا بلا مدينة؟”
فالسليمانية التي عُرفت يومًا بأنها مركز الأدب الكردي، ومدينة الشعراء والمسرحيين، ومختبر الصحافة الأولى، أصبحت اليوم تُعرَّف عند الكثير من شبابها من خلال الكفتة، والزي الكردي، وطقوس الاحتفال السريعة… بينما يُنسى تاريخها الفني الذي صنع هويتها.

لم تكن السليمانية يومًا مدينة عابرة. هي التي احتضنت أسماء كبيرة في الأدب والشعر، وشهدت أولى التجارب المسرحية التي وضعت الأساس لوعي ثقافي خلاق. شوارعها القديمة كانت تمتلئ بنقاشات المثقفين، بالمقاهي التي كانت جامعات شعبية، وبالمعارض والحفلات والندوات، إلى أن غلب عليها في السنوات الأخيرة نوعٌ من الصمت الثقيل، صمتٌ يجعل السؤال الذي طرحته گەزیزە عمر أكثر وجعًا:
لماذا لم نعد نتذكّر ما صنع هذه المدينة؟

