(فرست عبدالرحمن مصطفى)
لم يعد حقل كورمور مجرّد منشأة للطاقة بل تحول في الوعي العام إلى رمز لقلق دائم، مصدرٌ للغاز حين يريد ومصدرٌ للتهديد حين يشاء أصحاب النفوذ ذلك. كأنّ هذا الحقل يعيش بين نقيضين، ينتج الحياة في أنابيبه ويزرع الخوف في الهواء المحيط به. لكن الأخطر ليس ما يحدث داخل الحقل بل ما يُحاك حوله من ضجيج سياسي يطفو فوق كل حقيقة.
اليوم لم يعد الخطر القادم من قذيفةٍ مجهولة أو هجوم غادر هو ما يرعب الناس، الخوف الحقيقي يأتي من أولئك الذين وجدوا في مصيبة كورمور فرصة ذهبية. أطرافٌ تتباهى بمهارتها العجيبة في تحويل كل كارثة إلى إعلان حزبي وكل صاروخٍ إلى بيان انتخابي وكل قلق شعبي إلى ذخيرة تُرضي العرّابين في الخارج.
هؤلاء لا يرون في مواطن الإقليم إنساناً يلهث خلف حياة آمنة بل يرونه جمهوراً يجب تعبئته وإشعال مخاوفه ثم جرّه إلى ساحات الولاء.
يتحدّثون عن كورمور وكأنّهم حرّاس الحقيقة، بينما هم في الواقع تجار ركام يلتقطون كل شائعة ويصقلونها ليقدّموها لجمهورهم كأنها “خبرٌ حصريّ”. يتجاهلون أن العاملين في الحقل يذهبون كل يوم ليواجهوا المجهول ويتناسون أن قرى كاملة تنام على صوت الانفجارات وترجف على وقع البيانات المتضاربة.
فالدم الذي قد يسيل هناك لا يعني لهم شيئاً أمام حفنة نقاط إضافية في سباق النفوذ.
التهديد الحقيقي ليس فقط القذيفة التي تسقط بل العقل الذي يتلقى الحدث، فلا يبحث عن الحقيقة بل يلتفت فوراً إلى الجهة التي تمنحه رخصة الانحياز. وكأنّ الناس صاروا يقيسون المخاطر بميزان الحزب لا بميزان الإنسانية.
وبينما ينشغل الكبار في لعبةٍ أكبر منهم ويبقى المواطن هو الحلقة الأضعف، ينتظر خبراً يطمئنه ولا يجد غير صراخ السياسيين.
في هذا المشهد العبثي يتحوّل الغاز الذي يُفترض أن ينير البيوت إلى مادة لإطفاء الوعي.
وتتحوّل الكارثة التي تهدّد حياة الناس إلى مسرحٍ يعتليه كل من يبحث عن تصفيق سريع ولو على حساب أمن الإقليم.
والأكثر مرارة أن بعض الأصوات الكوردية نفسها في أربيل ودهوك، التي كان يفترض أن تقف صفّاً واحداً أمام أي تهديد صارت جزءاً من هذا الضباب، تُعيد إنتاج الإشاعات بمهارةٍ أكبر مما تنتج المصانع الطاقة.
كورمور ليس حقلاً للطاقة فقط إنه اختبارٌ أخلاقي.
اختبارٌ يكشف مَن يقف مع المواطن ومن يقف فوقه.
من يبحث عن حلول ومن يبحث عن “ترند”.
من يريد حماية الإقليم ومن يريد إرضاء أسيادٍ خارج الحدود.
ويا للأسف…
في كل مرة يُقصف فيها كورمور يتضح أن الخطر الحقيقي لا يأتي من السماء…
بل من الأصوات التي تتسابق لبيع الخوف وكأنّ أمن الناس سلعةٌ موسمية.
ويبقى السؤال:
هل سيظلّ كورمور حقل غاز… أم سيظلّ حقل ألغام سياسية؟

