عباس عبدالرزاق
في 8–9 يوليو 2025، هزّت اشتباكات مسلحة قضاء خبات غرب أربيل، حين تحوّل نزاع حول ملكية أراضٍ زراعية وقنوات مياه إلى مواجهة بين مسلّحين من عشيرة الهركي من جهة، وقوات أمنية من ضمنها وحدات Zeravani التابعة لـ البيشمركة من جهة أخرى.
بحسب مصادر أمنية وطبية محلية، فإن الاشتباك بدأ عندما قامت قوة كبيرة بتوجه إلى خبات لتنفيذ أوامر اعتقال بحق عدد من أبناء العشيرة اتُهموا بإطلاق نار في واقعة سبقت المواجهة، ضمن النزاع على الأرض والمياه مع عشيرة منافسة (عشيرة كوران بحسب بعض المصادر).
لكن العملية الأمنية قوبلت بمقاومة مسلحة من أفراد الهركي استخدموا الحجارة والأسلحة، ما أدى إلى تضارب دموي. وأفاد تقرير أولي بأن شخصاً واحداً من الهركي قُتل، بالإضافة إلى إصابة عدد من عناصر القوات الأمنية، مع إحراق عدة مركبات عسكرية وقصف الطرق بالحجارة والإطارات المشتعلة لإيقاف تقدم القوات.
من نزاع محلي إلى أزمة إقليمية: الجذور الأعمق للصراع
ما يميّز هذه الأزمة ليس عنف الاشتباك فقط، إنما طبيعة الخلفيات العشائرية والإشكالية البنيوية في إدارة النزاعات على الموارد (أرض + ماء) ضمن مناطق ريفية في الإقليم. مصادر محلية ترى أن الخلاف بين الهركي وكوران حول مجرى مياه — استخدم لري أراضٍ زراعية — هو ليس نزاع “تقليدي محدود”، بل نتيجة تراكم سياسات ملتبسة في إعادة توزيع الأراضي وقنوات الري بعد تغيّر خارطة الملكيات — وهو أمر شائع في مناطق متعددة من كردستان.
إضافة إلى ذلك، هناك بُعد سياسي وحزبي واضح: عشيرة الهركي تُعَد من “تُرَس” اجتماعي تقليدي لمنظومة البيشمركة/Peshmerga، فالتوتر لا يعني فقط نزاعاً عشائرياً، بل يُمثّل مواجهة رمزية بين قاعدة شعبية عشائرية من جهة، ومؤسسات أمنية رسمية من جهة أخرى — ما يُشكّل اختباراً لشرعية استخدام العنف باسم الدولة في نزاعات داخلية كردية.
توقف النار… تهدئة أم هدنة هشّة؟
بعد الساعات الأولى من التصعيد، تدخلت بسرعة قيادات سياسية في الإقليم، أبرزها رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، وتعهّد بمقاربة الأزمة بحكمة لمنع اتساعها. وأشاد زعيم الهركي، خورشيد هركي، بالدور القيادي وقال إن “التدخل الحاسم” منع الكارثة، مع إعلان رضاه للوساطة.
وزارة الداخلية في حكومة الإقليم بدورها أعلنت أن الأحداث “احتُويت” وفتحت تحقيقاً في أعمال العنف، مؤكدة أنها ستتابع “إجراءات قانونية” لمعاقبة من يتّهم باستغلال السلاح خارج إطار القانون.
كما أشار مصدر أمني إلى أنّ الاتفاق تفاوض عليه بتسليم بعض المطلوبين، انسحاب القوات الأمنية من بعض القرى، وتهدئة مؤقتة مع وعد بمتابعة قضية الأرض في لجنة تحقيق — محاولة لتحويل النزاع من المواجهة إلى قنوات قانونية.
تحليل سياسي: ماذا يكشف “خبات” عن واقع الإقليم؟
هشاشة القانون وإدارة الصراعات العشائرية
الصراع أثبت أن النزاعات حول الموارد في كردستان لا تزال تُدار غالباً عبر العرف العشائري أو قوة السلاح، لا القانون. غياب آليات عدالة أرضية واضحة — ملكيات، وثائق، توزيع منظم للمياه — يترك دوماً إمكانية انفجار النزاعات. الاندفاع نحو القوة بدلاً من الحل القانوني دليل على ضعف مؤسسات الدولة في المناطق الريفية.
صراع الولاءات: عشيرة ضد مؤسسات الدولة
عندما تتحول مكونات من المجتمع — عشائر — إلى أذرع أو قواعد اجتماعية لأحزاب أو قوات مسلّحة محلية، يُصبح النزاع داخلياً: ليس بين مواطنين وعصابات فحسب، بل بين مؤسسات السلطة وبين قاعدة شعبية. هذا يضعف الثقة بين المجتمع والدولة، ويجعل فرض القانون أكثر صعوبة.
دلالة سياسية: اختبار لقيادة الإقليم
اختيار القيادة — وليس فقط الأمن — للتدخّل بسرعة بأن يُظهر أن الإقليم يدرك أن النزاع قد يتوسّع إلى مشكلة أكبر. التهدئة كانت لاختبار قدرة الدولة على إدارة الأزمات الداخلية دون الانزلاق إلى اقتتال عشائري أوسع. إذا نجحت التهدئة، تكون رسالة لجوار داخلي وإقليمي مفادها “الدولة — وليس العشيرة — هي المرجع”.
خطر التكرار: إذا لم تُعالج الجذور
الهدنة لا تكفي وحدها. إذا لم يُحسم ملف الأرض والمياه بالقانون، أو لم تُقدَّم تعويضات عادلة، فإن بذور نزاع جديد — وربما أعنف — ستظل موجودة. يجري اليوم اختبار مدى التزام الإقليم بمبادئ العدالة والمساواة أمام القانون.
سيناريوهات محتملة للمستقبل
السيناريو المسار المحتمل المؤشرات المبكرة التأثير على الاستقرار
أ — تسوية شاملة ومستدامة تثبيت ملكية قانونية، تعويض للمتضرّرين، إعادة تنظيم الري، إشراك وجهاء عشائرية في إدارة النزاعات صدور قرار قضائي، صرف تعويضات، اجتماعات تنفيذية من لجنة التحقيق استقرار محلي، نموذج لحل نزاعات مشابهة، تعزيز الثقة بالقانون
ب — هدنة مؤقتة وهشّة وقف العنف مؤقت، تأجيل الحل للجذور، اتفاقات عهد شفوية غياب تنفيذ بنود الاتفاق أو تأخيرها، عودة طلبات امتلاك السلاح، توتر إعلامي بين عشائر استقرار هشّ، حوادث متفرقة، تفجّر النزاع عند أول استفزاز
ج — تصعيد جديد وفتنة أوسع احتقان، انتقام عشائري، توسّع الاشتباكات لمناطق أخرى، تدخلات أمنية وقمع اشتباكات جديدة، دعوات فتنة عبر شبكات عشائرية، رفض الوساطة اضطراب أمني، انقسام عشائري-حزبي، ضعف سلطة الدولة على الأرض
توصيات لتجنّب الأسوأ
تشريع وضبط ملكيات الأراضي والري: ضرورة إصدار قوانين واضحة تنظم توزيع الأراضي الزراعية، وتحديد حقوق الري، وتسجيلها رسمياً.
آليات قانونية لحل النزاعات: اعتماد محاكم محلية مختصة وقضاء عشائري رسمي تحت رقابة الدولة.
مشاركة المجتمـع المحلي: إشراك شيوخ العشائر ووجهاء القرى في لجان فض النزاع، حتى تكتسب القرارات شرعية محليّة.
شفافية ومتابعة إعلامية: فتح أبواب الإعلام المحلي لتغطية تنفيذ الاتفاقات، وتوثيق الحوادث بدقة.
برامج تنمية وتعويض: تقديم حوافز زراعية أو مشاريع تنموية للمناطق المتأثرة، تفادياً لإغراء العنف من جديد.
برسم المستقبل:
هل تصبح خبات نموذجاً للحل؟


