القضية الكردية في إستراتيجية وزير الخارجية الأمريكية
كتابة : د. ژیلوان لطيف يار أحمد
ترجمة: نرمين عثمان محمد
ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكية، يُعدّ أحد أبرز الأصوات الداعمة للقضية الكردية في التاريخ السياسي للولايات المتحدةالأمريكية ، فخلال 14 عاماً من عضويته في مجلس الشيوخ، قدّم العديد من مشاريع القوانين المتعلقة بالشأن الكردي وبالتغيير في الرؤية الإستراتيجية لواشنطن، وكان قانون “تعزيز استقرار إقليم كردستان” لعام 2016 محطة مفصلية، حين دعا روبيو إلى تقديم دعم مباشر لقوات البيشمركة دون الرجوع إلى بغداد، وقد شكّل هذا الموقف تحوّلاً جديدا في النظرة الأمريكية، إذ بدأ يعرف كردستان كحليف مستقل بعيداً عن مركزية بغداد.
وفي الحرب ضد داعش، واصل روبيو التأكيد بإستمرار على دور البيشمركة، مشيراً في العشرات من خطاباته إلى أنّ القوات الكردية كانت في طليعة المقاتلين ضد الإرهاب.
ومن خلال تحليل أكثر من خمسين خطاباً رسمياً لروبيو بين عامي 2014 و2025، يتضح تركيزه على مستويين رئيسيين فيما يتعلق بإقليم كردستان: الاستقرار و الديمقراطية، باعتبارهما ميزتين تميّزان وضع الإقليم عن عموم العراق، وتظهر هذه الخطابات أنّ لدى روبيو رؤية إستراتيجية واضحة تجاه كردستان، فهو يقدّمها سياسيًا بوصفها “نموذجاً تجريبياً ناجحاً” داخل منطقة تعاني من الأزمات والصراعات.
وفي اجتماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في أيار 2017 قال روبيو بمنتهى الصراحة:
“بينما نصطدم مراراً بتعقيدات الأوضاع في بغداد، نجح إقليم كردستان في بناء كيان ديمقراطي ودستوري راسخ”،ويمثل هذا التأكيد حجر الأساس في الخطاب السياسي لروبيو، الذي يرى في كردستان حليفاً ضرورياً يخدم المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
التهديدات الإقليمية ومقاومتها من وجهة نظر روبيو
إحدى المحاور الرئيسية للتحليل الإستراتيجي لروبيو حول كردستان هو الحذر من المخاطر و التهديدات الخارجية التي تواجه إقليم كردستان من الدول المجاورةلها ، ففي خطاباته المتعددة، يشير روبيو الى تهديدات الدول المجاورة للكرد والتي تضع الأمن والاستقرار الكردي، ومصالح الكرد الحلفاء للولايات المتحدةالأمريكية أيضا في خطر ، ففي تقرير للجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكي والذي أعد في تشرين الأول 2019، وجّه روبيو انتقاداً شديداً لتهميش أكراد روجافا ، قائلاً:
“نحن نفكر في التاريخ بإقتضاب ، ونتخلى بسهولة عن أصدقائنا”وقد تداول الكرد هذا الموقف في الأوساط الكردية بجميع مناطقهم.
وفي عام 2022 أقترح روبيو مشروع قانون لمعاقبة تركيا بسبب مواصلة هجماتها على المناطق الكردية في جنوب كردستان، وأعلن في بيان رسمي:
“القصف الجوي على قرى الإقليم ليس انتهاكاً للحدود الدولية فحسب، بل هو استهداف مباشر لحليف إستراتيجي للولايات المتحدة.”ويمثل هذا الخطاب القاسي تجاه دولة تركيا العضوة في الناتو تحوّلاً بارزاً و أساسياً في السياسة الأمريكية تجاه الكرد.
أما بخصوص إيران، فقد وجّه روبيو انتقادات شديدة للفصائل الشيعية التابعة لها، وفي تغريدة أطلقها عام 2023 كتب:
“كردستان حاجز ديمقراطي في مواجهة النظام الثيوقراطي الإيراني”،وتعكس هذه الرؤية اعتقاد روبيو بأن إقليم كردستان هي جهة إستراتيجية في الصراع الأيديولوجي القائم في منطقة معقدة وملئية بالمشاكل من الشرق الأوسط،ويتضح من تحليل خطاباته بأن روبيو يعتقد إن تقوية وأستقرار إقليم كردستان سيكون لها عمق إستراتيجي ضد توسع نفوذ إيران في العراق وسوريا،إلا أنّ هذه السياسة محفوفة بالمخاطر، إذ إن أي خطوة أمريكية تعزّز موقع الإقليم قد تُقابل بردود فعل عنيفة من أنقرة وطهران، اللتين تعتبران صعود الكرد تهديداً مباشراً لأمنهما القومي.
الفرص الاقتصادية والإستثمار من وجهة نظر روبيو
يمنح روبيو أهمية خاصة لقدرات الاستثمار والتعاون الاقتصادي المستقبلية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإقليم كردستان، ففي اجتماع للجنة المالية والمصارف لمجلس الشيوخ عام 2020 قال:
“إقليم كردستان فرصة استثمارية نادرة للشركات الأمريكية، ويجب علينا تسهيل دخولها للإستثمار أكثر ، خصوصاً في قطاعي الطاقة والتكنولوجيا.”،وتجلّى هذا التوجّه بشكل أوضح عام 2021 عندما طرح مشروع قانون بعنوان “قانون الشراكة في الطاقة مع كردستان”، والذي خصص مليارات الدولارات للمشاريع الطاقوية في الإقليم بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إقليم كردستان والولايات المتحدة الأمريكية ،أكد مشروع القانون على فرص الإستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة المتجددة ،وكان يؤكد كذلك على إجراء تسهيلات للشركات الأمريكية للمشاركة في مشاريع البنية التحتية للطاقة في إقليم كردستان ، وعلى الرغم من عدم تمرير المشروع في الكونغرس، فإنه كشف بوضوح عن رغبة روبيو في تقوية الارتباط الاقتصادي الإستراتيجي مع الإقليم،وترتكز هذه الرؤية على عدة قناعات إستراتيجية، منها:
• أنّ الإقليم بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار الأجنبي.
• وأنّ تطوير اقتصاده يقلل من اعتماده على ميزانية بغداد،وتقوية إقتصاده المستقل.
• بالإضافة إلى أنّ العلاقات الاقتصادية العميقة قد تكون أساساً متينا لشراكة سياسية وأمنية طويلة المدى. بين الولايات المتحدة الأمريكية وإقليم كردستان.
الدبلوماسية الاقتصادية
أكد روبيو في مجموعة من الإجتماعات على أهمية “الدبلوماسية الاقتصادية” كأداة لتعزيز مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة مضطربة، لكنّ روبيو يدرك أيضاً أنّ العقبات ما زالت كبيرة: الفساد، ضعف البنية القانونية لحماية الاستثمارات، الخلافات السياسية الداخلية بين الأحزاب الرئيسيةفي الإقليم، وعدم استقرار الاقتصاد العراقي ككل ، وعلى الرغم من كل تلك العوائق ، يؤمن روبيو بأن المصالح الإقتصادية يمكن أن تكون أساسأً قوياً لعلاقة طويلة الأمد بين واشنطن والإقليم.
[4:09 PM, 12/3/2025] Zhilwan: استشراف المستقبل: سيناريوهات محتملة للسياسة الأمريكية
مع تعيين روبيو وزيراً للخارجية، ظهرت عدة احتمالات بشأن مستقبل السياسة الأمريكية تجاه جنوب كردستان(إقليم كردستان)، أهمها:
1. التسليح المباشر لقوات البيشمركة، وهو أمر دعا إليه روبيو مراراً، وإذا طبق هذا الأمر فإنه قد يغيّر توازنات القوى في المنطقةبشكل أساسي.
2. تعزيز الشراكة الاقتصادية، ويتضمن ذلك تفعيل القنصلية الأمريكية في أربيل، والمضيّ في مشاريع الطاقة، ودعم مشروع “ممر التنمية”.
3. لعب دور أمريكي أكثر نشاطاً كوسيط بين بغداد وأربيل لحلّ ملفات النفط والميزانية والمناطق المتنازع عليها.
4. إتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه هجمات تركيا وإيران، يشمل عقوبات اقتصادية، وضغطاً دبلوماسياً، وربما زيادة الدعم العسكري للبيشمركة.
ولكنّ هذه الاتجاهات تواجه تحديات جدّية، منها: اعتراضات الحكومة الاتحادية، وردود الفعل التركية والإيرانية، وموقف الحلفاء الأوروبيين الداعين لوحدة العراق، إضافة إلى الانقسامات السياسية والاقتصادية داخل الإقليم.
وفي النهاية، فإن نجاح أي من هذه السيناريوهات يعتمد على مستوى التنسيق بين واشنطن وإقليم كردستان ، وعلى وجود خطة إستراتيجية واضحة تراعي مصالح جميع الأطراف المعنية ،ورغم أن تولّي روبيو وزارة الخارجية يوفّر فرصة نادرة لتغير توجهات السياسة الأمريكية نحو دعم أقوى لإقليم كردستان ، فإن نجاح هذه الفرصة يبقى مرتبطاً بعدة عوامل داخلية و خارجية خارج سيطرة الطرفين.

