د. يوسف گۆران:
الترجمة: محمد شيخ عثمان
شهدت الساحة السياسية طيّ آخر صفحة من الانتخابات البرلمانية في كلّ من العراق وإقليم كردستان.
ومع ذلك، فإن ما أفرزته صناديق الاقتراع لم يكن كافيا لتمكين القوى الرئيسة في الإقليم — وفي مقدمتها الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني — من تشكيل أغلبية كافية أو صياغة رؤية مشتركة للعمل المشترك رغم أن معظم الأحزاب الكردستانية تكرر الحديث عن “الوحدة الوطنية” و”الحقوق الدستورية” للكرد في بغداد، إلا أن الواقع العملي في كردستان يتجه بخطوات متسارعة نحو استقطاب حزبي وسياسي خطير وهو استقطاب ليس مستبعدا ان يفتح بابا واسعا أمام تفكك الجغرافيا السياسية للإقليم نفسه.
لا شك أن هاتين القوتين(الاتحاد والبارتي) و في محطتين مصيريتين وحساستين لعبتا دورا حاسما في وضع الدستور والنظام السياسي العراقي والكوردستاني القائم حاليا ضمن المشهد السياسي الحالي في العراق وكردستان من إنشاء النظام الفيدرالي عام 1992، وصياغة مقومات مسار العراق الجديد بعد عام 2003.
ورغم الانتقادات الجادة، فإن هذه التجربة وفّرت استقرارا طويل الأمد، وقوة، وتنمية شاملة لاقليمنا، وجعلت من كردستان نموذجا مختلفا يحتذى، يُشار إليه كثيرا من قبل الأجانب بوصفه “عراقا آخر”.
لكنّ التدهور المتسارع في العلاقات بين القوتين الرئيسيتين، خصوصا خلال التشكيلية الحكومية الاخيرة لاقليم كردستان، إضافة إلى بروز شعور قوي عند الاتحاد الوطني بوجود تهميش متعمد ومقصود لمناطق نفوذه من الخدمات الى التوازن، كل ذلك أضعف الصوت الكردي على المستوى الفيدرالي وعمّق الشرخ الداخلي.
وتفاقم هذا الشرخ بسبب غياب مؤسسة كردية جامعة تضاهي “الإطار التنسيقي الشيعي” أو “المجلس السياسي السني”.وبالتالي وجدت الساحة الكردية نفسها أمام مشهد تتصدع فيه الجبهة السياسية، ويخسر فيه الكرد أحد أهم عناصر قوتهم في بغداد: الخطاب الموحد والصوت الواحد.
لقد ترك تراجع العلاقة بين الحزبين الرئيسيين أثرا مباشرا على علاقات إقليم كردستان بالحكومة الاتحادية، وبالمحصلة فان الاقليم يعاني من أزمات مالية واقتصادية، وتراجع في مستوى الخدمات، وغياب الاستقرار السياسي منذ أكثر من عقد.
ولم تُسهم نتائج انتخابات الإقليم في تخفيف التوتر، إذ أخفقت في منح أي طرف القدرة على إعادة التوازن أو تهدئة المناخ السياسي.
وبسبب غياب فهم مشترك ومتوازن للمصلحة العامة، يواجه إقليم كردستان الآن أطول أزمة لتشكيل حكومة منذ انتهاء الاقتتال الداخلي. وإذا استمرت هذه الأزمة، فإنها قد تضع الإقليم، كيانا وجغرافيا، أمام احتمالات مصيرية متعددة ومفتوحة.
وباختصار، فإن فهم الوضع وآفاق الحل ليس أمرا صعبا. فالقوتان اللتان وضعتا معا ركائز حكم إقليم كردستان وادارته ،ما زالتا تمتلكان القدرة السياسية والقاعدة الشعبية ، ولم تظهر قوى ثالثة أخرى منافسة حقيقية لهما.
من هنا، فإن تجاوز الأزمة يتطلب إرادة مشتركة وإدراكا لخطورة المرحلة وذلك من خلال:
أولا:عليهما العمل بروح المرحلة التاريخية 1992 و2005، والعمل على اعادة نهج التوازن والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي الى اقليم كردستان ويعملا على انشاء مؤسسات وابتكار آلية جديدة لإدارة الخلافات بعيدا عن منطق الغلبة والإقصاء.
ثانيا: من الواضح أنه اذا تعذر للقوتين ممارسة العمل المشترك بنفس الروحية السابقة ولمنع تفاقم الصراع، عليهما النظر في جميع المقاربات البديلة، وإعادة هندسة الإطار القانوني والسياسي في الإقليم بما يتطلب أقل قدر ممكن من التعاون المتبادل والمشترك بينهما وذلك بطريقة تسمح بأقصى درجات اللامركزية لخدمة المناطق وسكانها، وتمكين الإدارات المحلية من أداء مهامها باستقلالية واعطاء الصلاحيات للمحافظات والوحدات الادارية ضمن قواعد قانونية واضحة تحافظ على الكيان القانوني الموحّد للإقليم، مع إمكانية إنشاء إدارتين ذاتيتين او اكثر.
وبدلا من أن يكون كل طرف في مواجهة الآخر، وأن يولّد هذا الصراع السياسي والإداري أزمات جديدة، ينبغي على الجانبين اتباع حرب “النموذج الافضل “لخدمة جميع سكان إقليم كردستان، كما حدث خلال الفترة بين عامي 1998 و2005 ، مع إعادة تعريف وتحديد صلاحيات الإقليم وحوكمته بشكل واقعي ويصبح للاقليم أكثر من كيان شبه مستقل، وهو إطار يمكن تطبيقه حتى على المناطق المتنازع عليها في حال أعيد دمجها ضمن حدود الإدارة الكردستانية.