الكاتب .. واثق الجابري
يبدوا أن ثقافة حب سماع الأخبار وإنتشار الإشاعة، دون التأكد من فحواها، وعدم الصبر على القراءة المعمقة العلمية والمهنية لها، والإهتمام بالعناوين والأسماء والجهات التي تصدر منها، وبناء مواقف على اساسها، وإدعاء العلم دون الحاجة للإطلاع والمعرفة، قد سادت واقعنا اليوم.. هذا ما جعل الأشخاص يعيشون ازدواجية الواقع والمتوقع، ودفعهم الى تعارض الكلام والمفاهيم والعمل.
يلعب الاعلام دوراً اساسياً في صناعة الرأي العام، وصارت منصاته وتوجهاتها المتوافقة والمتقاطعة، متاحة لكل فرد بغض النظر عن ثقافته وتخصصه، بل ولا توجد حدود لمنعها حتى على الصغار، وما عاد للآباء وقت لمتابعتهم، ولا توجد ادوات متاحة لمنع نقل المعلومات بمختلفها عن كل فرد، بعد ان صار جواله هو أكثر من يرافقه!
تُصور معظم وسائل الاعلام نفسها بأنها، مستقلة أو حيادية في نقل الاحداث، حتى تلك التي تصنع الاعلانات والدعايات، فمنها ما يؤلدج لفكر معين، وحتى الصناعات وطبيعة عرضها، هي نتاج صراع قوى ولها إنعكاسات سياسية محلية ودولية..
تصر معظم وسائل الإعلام العراقية، على التركيز على السلبيات وترك الايجابيات، وبحث نقاط الخلاف لا نقاط التشارك، وساعدت بتأجيج الشارع والسخط والنقمة الشعبية، ومثلما كان لها دور في تأجيج الطائفية في فترات، عادت لزرع روح الانتقامية والتجاوز على القانون والدولة، وتحميل النظام السياسي مسؤولية الاخفاقات الشخصية والحزبية والإدارية، ولم يعد هناك شخص او جهة سياسية بريئة أمام الاتهامات العمومية، دون تحميل أشخاص بعينهم او جهة سياسية حسب تمثيلها النيابي والحكومي، فيما إنشغلت بعض الجهات من سعة تمثيلها، لصناعة جيوش تدافع عنها وتشوه غيرها، غير مبالية بما لهذا من أثر على النظام السياسي والحياة الاجتماعية.
إن العمل الاعلامي مارس دور التحريض والتأجيج، وإبتعد عن مسمى السلطة الرابعة، وبدل أن يكون راصداً يرافق الاحداث بحيادية، من اجل تسليط الضوء على نقاط الخلل لإصلاحها؛ سعى الى كل جدلية وأيدلوجية ممنهجة، تصور الحياة العراقية بسوداوية، وفسرت الاعتراض بحتمية مخالفة القانون، ورسخ معتقد ان كل ما تفعله الدولة جاء للإنتقاص من المواطن..
دائماً ما كان المتوقع مخالفا للواقع، والتوقعات تقودها الاشاعة المبنية على اطروحاتها، تستند الى العلمية والمهنية والقانون، والتفكير في مصلحة الدولة وشعبها، وتتحدث بالعناوين والاشخاص، لتضع احدهم في النقاء المطلق، وتدفع من هم خلافه نحو درك التلوث والفساد والتشوه، وكل يمجد من يقوده، ولا مجد أن استقامت الدولة، ونجح الإعلام الذي تصنعه قوى سياسية وشعبية؛ من إشاعة السوداوية والتشجيع على العنف ومخالفة القانون، بقوى ترى نفسها بين مجمع بأنها على صواب، وغيرها مجتمعين على خطأ.. وقادت الرأي العام الى توقع يختلف عن الواقع، ولا يثق بمستقبل ومن فعلا يعمل.
نقلا عن المعلومة