أ.م.د. ژینۆ عبدالله- جامعة السليمانية
بين الحاجة الأكاديمية والإهمال المستمر، تواجه اللغة العربية تحديات كبيرة داخل الجامعات في إقليم كوردستان، فكيف يمكن استعادة حضورها؟
اللغة، في أبسط تعريفاتها، تُعدّ إحدى الأدوات المفصلية في بناء الجماعات البشرية وصناعة شبكات التواصل الاجتماعي، كما يشير إلى ذلك نعوم تشومسكي. ومن هذا المنطلق، تسعى كل جماعة بشرية إلى تربية أبنائها وتوجيههم لغويًا بما ينسجم مع لغة مجتمعهم. لذلك يحرص الآباء على تعليم أطفالهم الكلمات والتراكيب اللغوية التي يستخدمها محيطهم الاجتماعي.
ومن هنا يمكن القول إن تطوّر اللغة ونموّها داخل أي أمة يرتبط ارتباطًا غير مباشر بتعزيز أسس الهوية القومية لتلك الأمة، لأن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل فحسب، بل هي تعبير شامل عن مختلف أبعاد الوعي والفكر والثقافة الخاصة بها.
وانطلاقًا من هذا الفهم، أودّ التوقف عند واقع اللغة العربية وأهميتها في إقليم كوردستان. فمن الواضح، حتى للقارئ البسيط، مدى أهمية إتقان اللغة العربية بالنسبة لنا من أجل العيش والتواصل داخل العراق، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: لماذا تشهد اللغة العربية تراجعًا ملحوظًا لدى الجيل الكوردي الجديد في الإقليم، ولا سيما في الوسط الأكاديمي والجامعات؟
فعلى الرغم من وجود أقسام للغة العربية في معظم كليات الإقليم، فإن عددًا غير قليل من طلبة هذه الأقسام لا يحققون الاستفادة المرجوّة من دراستهم، وغالبًا ما تقتصر ثمارها على نيل شهادة جامعية. ويأتي هذا في وقت يُفترض فيه أن تكون أقسام أخرى، مثل القانون والإعلام، أكثر حاجة إلى إتقان اللغة العربية، إلا أن مستوي طلبتها في العربية لا يختلف كثيرًا عن مستوي طلبة أقسام اللغة العربية نفسها.
وتعود أسباب ضعف تعلّم اللغة العربية في أقسامها المتخصصة إلى مجموعة من العوامل الواضحة، من أبرزها:
أولًا: الاعتماد على مناهج وبرامج قديمة تعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وُضعت أساسًا لطلبة يمتلكون خلفية لغوية جيدة في العربية، ولم تكن لديهم مشكلة في المحادثة، بل كانوا يسعون فقط إلى تعميق اختصاصهم اللغوي.
ثانيًا: الطالب اليوم يبدأ دراسته الجامعية دون امتلاك أساس لغوي متين، ومع ذلك يُفاجأ منذ السنة الأولي بمواد صعبة وجافة، الأمر الذي ينفّره من اللغة ويجعله ينظر إليها بوصفها عبئًا ثقيلًا بدل أن تكون أداة معرفة وتواصل.
ولتجاوز هذه الإشكالية، ومنع ضياع جهود الطلبة الذين يتخرج سنويًا العشرات منهم من أقسام اللغة العربية في جامعات الإقليم، تبرز الحاجة إلى اعتماد سنة تمهيدية في المرحلة الجامعية الأولى، يُدرَّس فيها الطلبة بأسلوب مبسّط قواعد اللغة العربية، وأساليبها، ومهارات التحدث بها، بوصفهم ناطقين بغيرها. وبعد ذلك يمكن الانتقال إلى المنهاج الأكاديمي المتخصص في السنوات اللاحقة.
وبحسب دستور، فإن الإقليم جزء من العراق، وما دمنا مرتبطين بهذا البلد، فإن إتقان المواطن الكوردي للغة العربية يُعدّ ضرورة واقعية، لا بدافع الإكراه أو الفرض القسري، بل لأن المستوى العلمي، إلى جانب التبادل التجاري والتواصل المهني، يرتبط إلى حدٍّ كبير باللغة العربية.
ومع الأسف، فإن شريحة واسعة من الجيل الجامعي الحالي لا تُجيد العربية ولا الإنجليزية على نحوٍ كافٍ، الأمر الذي يثير تساؤلًا مشروعًا: كيف يمكن لجيل جديد، في هذا العصر المتسارع والمتغيّر، أن يفتقر إليى إتقان لغتين من أهم اللغات الحيّة في محيطه العلمي والعملي؟
إن إعادة النظر في سياسات تعليم اللغة العربية في إقليم كوردستان لم تعد ترفًا ثقافيًا، بل أصبحت ضرورة معرفية وتنموية، تتطلب تخطيطًا تربويًا واقعيًا، وإرادة أكاديمية جادة، تضع مصلحة الطالب في مقدمة أولوياتها.
يصادف يوم 18 كانون الأول / ديسمبر من كل عام اليوم العالمي للغة العربية.

