الكاتب..عامر حسن فياض
بعيداً عن هوس تداول الاسماء والتسميات الذي أصبح، كل أربع سنوات عند انتهاء الانتخابات يمزق طبول الاذان وينخر شبكات الاذهان ويشتت الافكار ويعمي الأبصار. دعونا هذه المرة نفكر بيقظة ونعمل بمسؤولية وطنية لاختيار الرئاسات الثلاث على وفق منطق الدولة وأحكام الدستور لا على وفق منطق ما قبل الدولة والبوصلة التوافقية التي فرضتها الظروف السياسية.
نعم ان ما صار وما لمسناه بصدد اختيار الرئاسات الثلاث سبق وان تم بغلبة العلوية الاجتماعية التوافقية على العلوية الدستورية، فأصبحت للتوافقية الاجتماعية الثلاثية (الشيعية – الكردية – السنية) التقليدية الغلبة على التعددية السياسية (الاغلبية السياسية – الاقلية السياسية – قوى المساندة – قوى المعارضة)، وهذا السياق التقليدي الما قبل البدائي اخذ يتصلب انتخابات بعد اخرى لبلد يستحق ان يكون دولة يحكمها من يُعمر البلاد ويخدم العباد.
إن غلبة منطق الدولة يعني سيادة القانون وحاكمية الثقة بين الحكام والمحكومين وحكم المؤسسات وتعددية تقوم على تعايش وتسامح مجتمعيين وتنافس سياسي وقوة جند لدولة مسلحة بالعلم والمعرفة ومحصنة بالأخلاق السياسية ومدرعة بالوعي السياسي ومحمية بالقانون ونامية باقتصاد انتاجي خصب. وتلك هي المعايير الاساسية لمنطق الدولة، بيد ان انتظار حصول ذلك هو بمثابة (انتظار كودو) فيما لو تركت الامور لنضوج الظروف الموضوعية، فما العمل؟.
ان السياسة في عالمنا اليوم تقاد من الرأس وليس من القاعدة، والرأس يتمثل بالحكومة، فما هي معايير المنهج الوزاري والبرنامج الحكومي القابلة للتنفيذ والقادرة على الالتزام بمنطق الدولة ودستورها؟.
ان المعايير هنا ينبغي ان تكون موزعة ما بين معايير خاصة بالمنهاج الوزاري المختصر تلحق بها معايير خاصة بالبرنامج الحكومي المفصل والمطول.
إن مأسسة المعايير بصنفيها ينبغي إلا تتخطى التعهدات غير المتحققة في المناهج والبرامج الحكومية السابقة. كذلك ينبغي ان تراعي هذه المعايير التأكيد على ايقاف التدهور قبل التعهد بالتطور لاجتياز كل عقبة من العقبات المزمنة التي صاحبت مسار بناء الدولة وعرقلته، بمعنى أدق إيقاف التدهور الحاصل من جراء عقبات العوز التشريعي والعوق المؤسساتي والعجز الخدمي والعقم الانتاجي والعبث بالمال العام والعرج المعرفي، لان إدراج معيار التعهد بإيقاف التدهور أولاً ضمن أولويات المنهاج الوزاري والبرنامج الحكومي خير وأفضل من حشوهما بالشعارات الوردية التي نسمع بها ولا نراها.
كما أن خارطة مأسسة المعايير لابد وان تراعي استخدام سياق الأجندة (الافضليات) في الانجاز للتعهدات. ومن باب الواقعية فان المحاصصة السياسية إذا كانت مقبولة الحضور تحت قبة مجلس النواب فإنها ولا المحاصصة غير السياسية مقبولتان في تنصيب الاشخاص في مؤسسات الدولة بسلطتيها التنفيذية والقضائية والتي ينبغي ان تدار من اشخاص يتمتعون بالكفاءة والخبرة والنزاهة التي لا تصنعها الانتماءات لمذهب أو عشيرة أو قومية بل تصنعها الولاءات للوطن والوطنية.
إن خارطة المعايير هذه لا علاقة لها بشخص فلان بل هي معايير لكل حكم قادم (اشخاص ومؤسسات) يرغب العمل السياسي وفق منطق الدولة تخلصا من عقد اختيار الرئاسات الثلاث التي أوقعت السائس والمسوس في حيرة الاسماء والتسميات وهوسها بسبب تسييد العلوية التوافقية على العلوية الدستورية فضاعت الموازين وتوارى منطق الدولة.
الصباح

