حراك المطالبة بالإقليمية في العراق: إقليم البصرة فرصة وخمسة عوائق
كتابة : د. إسماعيل نجم الدين زنكنة
ترجمة: نرمين عثمان محمد / عن صحيفة كوردستاني نوى
أولاً: آليات تشكيل إقليم جديد
يُعدّ أسلوب الحكم الفيدرالي في العراق نموذجًا غير مألوف ونادرًا بين الدول الفيدرالية،لآنه كان إلى حدكبير نتيجةً لمطلبٍ أحادي الجانب من إقليم كردستان (في حين عارضت غالبية القوى السياسية هذا الأسلوب)، وقد جاء ذلك في إطار إعادة تشكيل العراق كدولة موحّدة على كامل أراضيه. ومع ذلك، سعى الدستور إلى معالجة هذا الإشكال عبر منح الحق الدستوري لمحافظة واحدة أو أكثر بالتحول إلى إقليم فيدرالي، وفق آليات محددة.
وقد نصّت المادة (119) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 صراحة على هذا الحق، حيث يحقّ لكل محافظة أو أكثر تشكيل إقليم عن طريق الاستفتاء، بناءً على طلب يُقدَّم بإحدى ثلاث طرق:
1. طلب يقدّمه ثلث أعضاء كل مجلس من مجالس المحافظات المعنية بتشكيل الإقليم.
2. طلب يقدّمه عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات المعنية.
3. وهي آلية وردت في القانون، وتتعلّق بحالة انضمام محافظة واحدة إلى إقليم قائم، حيث يجب أن يكون الطلب صادراً عن ثلث أعضاء مجلس المحافظة، ومقترناً بموافقة ثلث أعضاء المجلس التشريعي للإقليم المعني.
ونصّت المادة (118) من الدستور على أن يقوم مجلس النواب، بالأغلبية البسيطة للأعضاء الحاضرين، وخلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ انعقاد جلسته الأولى، بتشريع قانون يحدّد الإجراءات التنفيذية الخاصة بتشكيل الأقاليم.
كما أقرت المادة (117)من الدستور بمقطعين بإقليميّة إقليم كردستان بوصفه إقليماً فيدرالياً، واعترفت كذلك بالأقاليم الجديدة التي تُشكَّل وفق أحكام الدستور، ما يعني أن أي إعلان أحادي الجانب، دون مراعاة الإجراءات الدستورية والقانونية، يُعدّ غير دستوري.
ورغم تأخّر مجلس النواب عن المدة الدستورية المحددة، فقد شرّع قانون الإجراءات التنفيذية لتشكيل الأقاليم بالرقم (13) لسنة 2008، والذي تضمّن تفاصيل دقيقة بشأن تقديم طلبات تشكيل الأقاليم وآليات تنفيذها وصولاً إلى الاستفتاء. وكان أبرز ما ميّز هذا القانون هو فتح الباب أمام المحافظات للانتقال إلى وضع الإقليم، ولذلك شهدت عدة محافظات محاولات أو أفكارًا لتشكيل أقاليم، وكانت محافظة البصرة أبرز هذه النماذج وأكثرها حضورًا.
وبعد وضع العراقيل أمام المحاولات السابقة، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات، خلال الأيام الماضية، عن إمكانية تسجيل ناخبي البصرة في إطار المطالبة بتشكيل إقليم للمحافظة، وفي هذا البحث نركّز بصورة خاصة على خطوات إقليمية المحافظات، ولا سيما محافظة البصرة.
ثانيًا: الجغرافيا والديموغرافيا في البصرة
تُعدّ البصرة أقصى مدينة جنوبية في العراق، وثاني أكبر مدنه، وتقع على ضفاف شط العرب وقرب الخليج، وهو ما يمنحها موقعًا استراتيجيًا جعلها إحدى أهم بوابات العراق إلى العالم.
تحدّها الكويت والمملكة العربية السعودية، ومن الشمال محافظة ذي قار، ومن الغرب محافظة المثنى.
إداريًا، تتكوّن محافظة البصرة من عدة أقضية ونواحٍ، منها: قضاء مركز البصرة، القرنة، الزبير، المدينة، الفاو، أبو الخصيب، شط العرب، ونواحٍ متعددة مثل الهارثة، الشافي، الشرش، الفيحاء، خور الزبير، صفوان، أم قصر، الشهيد عز الدين سليم، قضاء دير، ناحية سيبة، بيحار، الإمام قائم، الإمام صادق، النشوة، البرجسية، وناحية الكباسي.
تبلغ مساحة البصرة نحو 70.19 كيلو متر مربع ، وتضم سهولاً وبساتين واسعة، وتمرّ فيها أنهار مهمة مثل شط العرب ودجلة والفرات. مناخها حار وجاف ورطب ، في الصيف تتجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية، بينما يكون معتدلاً شتاءً.
وبحسب نتائج التعداد السكاني العام لعام 2025، بلغ عدد سكان البصرة 3,664,168 نسمة. ورغم أن عدد السكان ليس شرطًا قانونيًا لتشكيل الإقليم، إلا أنه يُعد عاملاً داعمًا قويًا لهذا التوجّه.
ورغم عدم تضمّن التعداد خانة لتحديد القومية، ولكن تشير الدراسات والاستبيانات إلى أن غالبية سكان البصرة من العرب المسلمين من المذهب الشيعي، مع وجود مسلمين سنّة وأقليات دينية أخرى مثل المسيحيين والصابئة المندائيين.
وعشائريًا، يتمتّع مجتمع البصرة ببنية عشائرية قوية، مثل بني مالك وبني تميم وبني سعد وغيرها، التي تؤدي دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية والسياسية، فضلاً عن كون البصرة معروفة بأنها مدينة متعددة الثقافات تأثرت تاريخيًا بالحضارات العربية والفارسية والإيرانية.
ثالثًا: الجانب الاقتصادي والموارد الطبيعية
النفط والغاز:
تُعدّ البصرة كنزًا طبيعيًا للعراق، إذ تضمّ النسبة الأكبر من ثروته النفطية، وتدرّ مليارات الدولارات سنويًا. وتُعدّ حقول الرميلة والزبير ومجنون في البصرة من أكبر الحقول في العالم، فضلًا عن امتلاكها احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي.
الزراعة:
تشكل الزراعة ركيزة مهمة في اقتصاد البصرة، حيث توفّر سهولها الخصبة فرصًا كبيرة لزراعة التمور والشعير والقمح والخضراوات والفواكه. وتشتهر البصرة بتمورها، ولا سيما أصناف “البرحي” و“الساير”، كما تحظى تربية الأسماك في المناطق المائية بأهمية اقتصادية واضحة.
الصناعة:
يعتمد القطاع الصناعي في البصرة إلى حدّ كبير على النفط، إذ تُعدّ الصناعات التكريرية والبتروكيميائية من أبرز صناعاتها، إلى جانب صناعات غذائية ونسيجية ومواد البناء، إلا أن الصناعة لم تتطور بالشكل المطلوب وما زالت مرتبطة بالنفط الخام.
التجارة:
يُعدّ ميناء البصرة أهم ميناء بحري في العراق، والبوابة الرئيسة للاستيراد والتصدير عبر موانئ أبي فلوس وأم قصر وخور الزبير، حيث تمرّ ملايين الأطنان من البضائع سنويًا، كما تحتل البصرة موقعًا محوريًا في التجارة مع دول الجوار كالكويت وإيران وتركيا.
رابعًا: محاولات إقليمية البصرة
منذ عام 2008، شكّلت فكرة إقليم البصرة حلمًا حاضرًا في أذهان الحركات السياسية والاجتماعية، مدفوعة بعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية.
أُطلقت أول محاولة رسمية عام 2008 عندما قرر مجلس محافظة البصرة تقديم طلب للحكومة الفيدرالية، ولكن أُطلقت أول محاولة رسمية عام 2008 عندما قرر مجلس محافظة البصرة تقديم طلب للحكومة الفيدرالية، لكنها فشلت بسبب رفض بغداد وقوى سياسية أخرى.
وفي عام 2014، عاد الحديث عن الإقليمية بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة وضعف الحكومة الفيدرالية.
أما المحاولة الأبرز فكانت عام 2018، حين صوّت مجلس المحافظة لصالح تشكيل إقليم وفق المادة 119 من الدستور، إلا أنها واجهت عراقيل مماثلةمن قبل الحكومة في بغداد.
خامسًا: العوائق أمام إقليمية البصرة
1. غياب الدعم السياسي الكامل: عدم توافق جميع القوى السياسية المحلية، وخشية بعض الأطراف من تصاعد التوتر والانقسام.
2. معارضة الحكومة الفيدرالية: خوف بغداد من أن تتحول البصرة إلى نموذج لبقية المحافظات، ومن فقدان السيطرة على مواردها النفطية.
3. التوازنات الداخلية والإقليمية: الصراع بين القوى الشيعية والتأثيرات الإقليمية المحتملة.
4. ضعف الدعم الشعبي الشامل: تردد شريحة من السكان وخشيتهم من الانزلاق إلى الفوضى أو الصراع الداخلي.
5. العوائق القانونية والإدارية: تعقيد الإجراءات الدستورية والحاجة إلى تعاون الحكومة الفيدرالية.
سادسًا: إعلان المفوضية وتسجيل المواطنين
بحسب بعض المصادر أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مؤخرًا بدء إجراءات تسجيل مواطني البصرة للتعبير عن رأيهم بشأن إقليمية المحافظة، ولا سيما تحقيق نسبة الـ 2% المطلوبة لإثبات جدية الطلب، وذلك تمهيدًا لأي استفتاء مستقبلي.
ما زال مستقبل إقليم البصرة غير محسوم، غير أن الواضح هو إصرار سكانها على نيل حقوقهم الدستورية والمشاركة العادلة في إدارة ثرواتهم. ويبقى تحقيق هذا الحلم مرهونًا بالإرادة السياسية والاستعداد لحوار جاد يفضي إلى حلّ عادل يحفظ مصالح جميع العراقيين.
وخلاصة القول:
إن تحوّل محافظة البصرة إلى إقليم يُعدّ خطوة حاسمة لتعزيز أسس الفيدرالية في العراق، كما أنه يصبّ في مصلحة إقليم كردستان، لما له من دور في تقوية المشروع الفيدرالي وترسيخه على مستوى الدولة.

