*محمد شيخ عثمان
مع نهاية عام ٢٠٢٥، لا يمكن النظر الى تجربة المرصد بوصفها مجرد اصدار صحفي دوري، بل كمشروع وطني توثيقي متكامل، راكم المعرفة، وصان الذاكرة، واشتغل على التحليل بقدر ما اشتغل على حفظ الوقائع من النسيان والتحريف.
ثمانية وثمانون عددا تحليليا توثيقيا صدرت خلال عام واحد، لم تكتف بتغطية الشان الكردي والعراقي، بل انفتحت بوعي ومسؤولية على الفضاءين الاقليمي والدولي، مقدمة ابرز وادق التقارير والرؤى والدراسات، بما جعل المرصد منصة قراءة عميقة للتحولات السياسية والفكرية والاقتصادية في محيط مضطرب ومتغير.
عام متشابك
ولم يكن عام ٢٠٢٥ عاما سهلا في مساره وتحدياته، فقد كان عاما متشابكا ومفتوحا على سلسلة من الاحداث والتطورات المتسارعة، سياسيا وامنيا واقتصاديا، على المستويين المحلي والاقليمي، وسط تغيرات دولية اعادت رسم اولويات وتحالفات، وفرضت وقائع جديدة على المنطقة والعالم. ومع هذا التشابك والتسارع، لم يكتف المرصد بنقل الخبر او تسجيل الحدث، بل استطاع توثيق هذه التطورات وصقلها بالتحليل الرصين، بما انار فكر القارئ، ومكنه من فهم المستجدات، واستشراف اتجاهات الاحداث، وقراءة مساراتها المحتملة بوعي نقدي بعيد عن الانفعال والتبسيط.
اكثر من سبعة الاف صفحة
هذا الجهد، الممتد على اكثر من سبعة الاف صفحة خلال عام ٢٠٢٥ وحده، لا يمثل كثافة رقمية فحسب، بل يعكس التزاما صارما بمنهج التحليل الدقيق والتوثيق المهني، ما حول اعداد المرصد الى ارشيف وطني جامع، ومصدر مهم للباحثين والاكاديميين والمؤرخين، ونموذجا يحتذى به في دراسة التصنيف والتوثيق والتحرير التحليلي، يمكن لكليات الاعلام ودورات مهارات الصحفيين البناء عليه وتدريسه.
الامتداد التاريخي منذ 1994
والاهم من حصاد عام واحد، هو الامتداد التاريخي لهذا المشروع، الممتد منذ عام ١٩٩٤، من العدد صفر وصولا الى العدد ٨٠٦٥ مع نهاية ٢٠٢٥. مسار طويل يعكس استمرارية نادرة في الصحافة العراقية والكردستانية، ويؤكد ان المرصد لم يكن رد فعل ظرفي، بل خيارا استراتيجيا واعيا، راهن على التراكم، وعلى بناء الثقة مع القارئ، وعلى احترام عقل المتلقي.
رسالة واضحة
حصاد المرصد لعام ٢٠٢٥ هو رسالة واضحة مفادها ان الصحافة الجادة لا تقاس بالضجيج ولا بالعناوين السريعة، بل بالقدرة على الصبر، والدقة، والالتزام بالحقيقة، وبالانحياز للمعرفة بوصفها اداة فهم وتنوير لا اداة استهلاك.
بناء الارشيف الوطني هو الاهم
ان هذا الانجاز ليس احتفاء بالماضي بقدر ما هو تاسيس للمستقبل، وتاكيد على ان بناء الارشيف الوطني، وحماية الذاكرة السياسية والفكرية، مهمة لا تقل اهمية عن صناعة الخبر نفسه. وفي زمن الفوضى المعلوماتية، يثبت المرصد ان الصحافة يمكن ان تكون موقفا، ومنهجا، ومسؤولية تاريخية.
تحية واعتزاز وتهنئة
وفي ختام هذا الحصاد، لا بد من توجيه تحية تقدير واعتزاز الى فريق المرصد الصحفي والتحريري، الذين عملوا بروح مهنية عالية، وصبر طويل، والتزام صادق بالحقيقة والمعرفة، فكان جهدهم اليومي هو الاساس في تحويل المرصد الى منصة رصينة ومرجع موثوق، يحظى بثقة المتابعين والنخب على حد سواء.
كما نعتز ونفخر بقرائنا من النخبة السياسية والاعلامية، والباحثين والاكاديميين، وصناع القرار، الذين منحوا المرصد ثقتهم، وجعلوا من اصداراته مادة للنقاش والتفكير والاستدلال، مؤكدين ان الصحافة الجادة تجد دائما جمهورها الواعي، مهما اشتدت ضوضاء السطحية والاستسهال.
وبمناسبة حلول العام الجديد، نتقدم اليهم جميعا باصدق التهاني واطيب الامنيات، سائلين ان يكون عاما مفعما بالامن والاستقرار، والبهجة والمسرات، وان يحمل الخير والسلام لشعبنا ولجميع شعوب المنطقة.
وستبقى مسيرة المرصد مستمرة في عطائها، محافظة على صدارتها ومنهجها التحليلي والتوثيقي، وفية لرسالتها في خدمة الحقيقة، وصون الذاكرة، والانحياز الدائم للمعرفة والمسؤولية الوطنية.
https://marsaddaily.com/news.aspx?id=33961&mapid=1
*رئيس تحرير مؤسسة المرصد الاعلامية/مكتب اعلام والتوعية للاتحاد الوطني الكوردستاني

