خاص للمسرى
بدل رفو
غراتس / النمسا
إلى الشاعر الراحل صديق شرو… كلمة وفاء
هذه الكلمات محاولة بسيطة لتخليد حضورك..
لم يكن الشاعر الراحل صديق شرو مجرد اسم في خارطة الشعر الكوردي، بل كان حالة إنسانية وثقافية امتدت لأكثر من أربعة عقود، قاوم خلالها الألم والخذلان والتهميش بالشعر، وبالحب، وبالانحياز الصادق للإنسان.
رحل الجسد، لكن صوته ما زال حيّاً في قصائده التي كُتبت بوجع التجربة وصدق المعاناة.

في أحد الأيام، فتح صديق شرو قلبه بصدق نادر، متحدثاً عن الكتابة بوصفها خلاصاً وجودياً من التناقضات الفكرية والاجتماعية والإنسانية التي عاشها.
كان يرى أن الإنسان، حين تحاصره التناقضات ويضيق به العالم، يبحث عن مساحة أخرى يجد فيها ذاته حرة من القيود، وكان يؤكد أن الشعر كان نافذته للخلاص من القلق واليأس، ووسيلته لفهم نفسه والعالم من حوله.
لم يكن شرو يؤمن بالشاعر المنعزل في برجه العاجي، المتغني بأوجاع الفقراء من مسافة باردة.

كان يؤمن بأن التجربة هي أساس الإبداع، وأن من لم يعش المعاناة لا يستطيع أن يكتب شعراً نابضاً بحرارة الحياة.
لذلك جاءت قصائده مشبعة بألم الإنسان الكوردي، وهمومه اليومية، وحلمه الدائم بالكرامة والحرية.
الشعر في عُرف صديق شرو… هوية لا تموت
كان صديق شرو يرى في الشعر أكثر من كلمات موزونة أو صور بلاغية، كان يعتبره لغة تولد من ذاتها لتمنح العالم لغة أخرى، تخاطب الوجدان بأسلوب مؤثر، ومزخرف بالإبداع، وقادر على النفاذ إلى أعماق الإنسان حيث تعجز الخطابات الأخرى.

وحين كان يُقال إن الشعر يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان يواجه هذه المقولة بهدوء الحكيم وتجربة الموجوع.
كان يؤمن بأن الشاعر قد يموت، وربما ترحل قوافل الشعراء، لكن الشعر نفسه أزلي، جزء لا ينفصل عن حديقة الحياة
فالحقيقة، كما كان يقول، لا تموت عند من يبحث عنها.
وقد يضعف جمهور الشعر، لكن الشعر في جوهره لا يمكن أن يموت.

وفي صراعه مع المرض، كان الشعر وسيلته للبقاء متصلاً بالحياة، يقرأه ويكتبه لأنه يربطه بالعالم الذي لا يزال جزءاً منه.
الاغتراب، والمؤسسة، ووجع المثقف
تحدث صديق شرو عن الاغتراب بوصفه حالة داخلية لا علاقة لها بالجغرافيا وحدها.
فالاغتراب، في نظره، هو عدم انسجام الإنسان مع ذاته في زمان ومكان ما، وعدم شعوره بقيمته الحقيقية، نتيجة التهميش من قبل المؤسسات أو الجهات التي يُفترض أن تحتضنه.
ومن هنا كان اغتراب الأديب في وطنه أشد قسوة من الغربة خارجه.

وفي واحدة من أكثر لحظات حديثه وجعاً وصدقاً، توقف عند أزمة المثقف، قائلاً بمرارة إن كثيراً من مثقفينا يكذبون على أنفسهم، ويدّعون ثبات الموقف، ويتدثرون بثقافة ليست من جوهرهم.
كان يرى أن الأزمات لا تخلق بالضرورة مثقفين حقيقيين، بل تكشف الزيف أحياناً، وتعرّي غياب الدور الثقافي والمؤسساتي، متسائلاً بحسرة : اين هي وزارة الثقافة؟
عالمية الشعر الكوردي… والترجمة بوصفها جسراً
أما عن وصول الشعر الكوردي إلى العالمية، فكان يرى أن الطريق النبيل والإنساني لذلك هو الترجمة.
فالترجمة، في نظره، ليست مجرد نقل لغوي، بل فعل ثقافي ودبلوماسي يعرّف العالم بثقافة أمة ورجالها.
وكان يتحسّر على ندرة الجهود المؤسسية، مشيراً إلى أن ما تحقق حتى الآن هو ثمرة جهود فردية نادرة لمترجمين خدموا الأدب بضمير حي.
وكان يؤمن بضرورة تشجيع المترجمين وفتح الأبواب أمامهم للوصول إلى العالم، باعتبار ذلك شكلاً من أشكال اللجوء الثقافي المشروع للشعراء.
المرأة، والهوية، وذاكرة المكان
وحين يتتبع القارئ قصائد صديق شرو، يلحظ الحضور القوي للمرأة في تجربته الشعرية.
لم تكن المرأة عنده رمزاً عابراً، بل ملاذ الإنسان في إرهاقه، والعنصر الفعّال في التفاعل الإنساني.


