مام جلال
هاوري رواندوزي
كان مام جلال ظاهرة نادرة، فقد كافح لأكثر من ٦٠ عاما في سبيل تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية ورفاهية شعب كوردستان، كان تاريخا ناصعا، ولو قدر للتاريخ أن يكتب بإنصاف وأمانة لظل مدينا له.
أسس مام جلال الاتحاد الوطني لخدمة الشعب وتحقيق تطلعاته والقضاء على الديكتاتورية، وليس لخدمة نفسه، فقد كان كتلة من المعنويات والصمود للجميع.
لقد شكل مام جلال الاتحاد الوطني في وقت كانت الآمال فيه معدومة، تعالوا لنتفكر في الأمر: لو لم يفعلها مام جلال من ذا الذي كان بوسعه تأسيس اتحاد يجمع بين نضالين، المسلح والدبلوماسي؟
لو لم يكن مام جلال في الساحة لكان من الصعب جدا تشكيل اتحاد يحمل هذا الاسم والقدرة والقوة والتأثير.
كان بالفعل ضمانا وآمانا للجميع، فلو التقيته لمرة واحدة وددت لو التقيته كل يوم، كان ثاقب البصر، مفعما بالأمل وباعثا له، تحس بوجوده بالتحفيز والمعنويات، لم يكن في يوم ما قليل الحيلة، فإنك لو نطقوا باسمه عندك لتولدت لديك القوة والأمل.
لقد شاركتُ شخصيا في كثير من اجتماعاته، حين يتحدث كنتَ تشعر بأنك منظم بحزب فيه الأمانة والضمان، سيجعل منك نهجه فخورا.
إن توجها برز للأسف في السنوات الأخيرة، أغوى باسم مام جلال ونهجه عددا كبيرا من الكوادر والأعضاء في الاتحاد الوطني، حينما يسمون الاتحاد الوطني باتحاد مام جلال لم تر أو تحس من ذلك الاتحاد شيئا، كانوا يقتبسون كلام مام جلال لكنهم لم يقتدوا به، فلقد سئمتُ شخصيا من ذلك العمل الحزبي الذي طبقوه حتى كدنا لانميز اتحادنا.
ذلك العمل الحزبي لم يكن مقبولا إلا عند من يسعى وراء المال والمنصب والغنائم. لطالما كنت أفكر وأقول في نفسي أين الاتحاد الوطني وقادته ونضاله من اتحاد هؤلاء!
لقد تقرر أن يعود الاتحاد إلى نهج ومسيرة مام جلال الحقيقية والابتعاد عن النهج والمسير الذي كان خططوه له.
بالله عليكم، منذ متى ونهج مام جلال تنتهج الجاسوسية وشراء الذمم وعمل فيدوات مفبركة ونثر الأموال؟
منذ متى ونهج مام جلال يلفق التهم الباطلة بحق رموز الاتحاد الوطني وسبهم؟
نهج مام جلال متجسد في خدمة الناس وتنمية الفكر وتثقيف الكوادر وخدمة ذوي الشهداء وتقدير نضال المحاربين القدامى وتقدم الحريات.
إن الاتحاد الوطني بزعامة بافل جلال طالباني تخطى تلك المرحلة بكل مآخذها، فاليوم هناك مرحلة وإدارة مختلفة، فحينما يكون الاتحاد الوطني عزيزا مقتدرا نكون نحن أيضا، الاتحاد مدرسة مام جلال وللابد للأخير أن يظل على نفس النهج والفكر والمسير الأصيل،
لاننسى أن مام جلال ليس للاتحاديين فحسب، بل هو ملك لسائر شعب كوردستان والعراقيين أيضا، فمام جلال كان يعد نفسه ملكا للجميع، إذ تجسدت عظمته في أن أبوابه كانت مشرعة للكل، للعرب والتركمان والمسيح والأقليات الأخرى، كان يعتبر نفسه حاميا للجميع.
هناك الكثير ممن يتحثون عن نهج مام جلال، لكنهم لم يفهموا صميم نهجه، ذلك النهج تلخصه خطابات وأفعال مام جلال.
قدم مام جلال آخر كلمة له قبل مرضه في أربعينية المرحوم شمس الدين المفتي، إذ قال: اكتبوا أبيات الشاعر الحاج قادر التي تقول:
الموت والحياة مثل الفيئ والشمس
وما من باق سوى الذكر والاسم
في الحقيقة أن مام جلال كان يعلم مايقول حينما ألقى بتلك الأبيات الشعرية، الأمر الذي جعل اسمه خالدا في التاريخ، فالنضال الكوردي يبقى مطلوبا لمام جلال نظرا لما قدمه من انجازات وحقق من مكاسب.
النضال الكوردي أتعب مام جلال حقا، والكورد في حاجة إليه اليوم، لكن الأقدار قالت كلمتها وحالت دون ذلك، فلقد رحل مام جلال عزيزا وكبيرا وسيظل اسمه مقدسا.
وعليه، لو كنا نطمح أن يكون الاتحاد اتحاد عهد الرئيس جلال طالباني يتحتم علينا تطبيق وتنفيذ أقوال وأفعال نهج مام جلال بعيدا عن المصلحة الشخصية الضيقة، وأن يفسر نهجه للجيل الحالي، حينها سيكون الاتحاد الوطني وجهة للناس كما كان عليه في فترة تأسيسه، لأن الاتحاد له مام جلال والأخير ظاهرة خاصة ونادرة لسائر كوردستان.