د.عبداللطيف جمال رشيد
رئيس الجمهورية
كان في نيتي أن أتحدث للإعلام بعد أدائي القسم رئيساً للجمهورية، لكن انشغالي بأمور كثيرة هو ما حال دون ذلك، ولأتوجه من ثمّ بالحديث إلى عموم أبناء الشعب من خلال جريدة الصباح.
حالما بلغت قصر السلام كان عليّ المشاركة في القمة العربية الحادية والثلاثين في الجزائر، حيث يجري عادة تمثيل البلدان فيها على مستوى الرؤساء والملوك والأمراء أو من ينوب عنهم. وبعدها مباشرة كان يجب الإسهام في قمة المناخ الدولية التي أقيمت بمشاركة ما بين الأمم المتحدة وجمهورية مصر العربية في مدينة شرم الشيخ قبل أيام. لقد كنت آمل مشاركة الأخ رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وتمثيله العراق في قمة المناخ، وهو ما اتفقنا عليه قبل سفري إلى قمة الجزائر؛ وذلك لأن قمة المناخ وثيقة الصلة بالعمل التنفيذي وبالمشكلات التي تواجه الدولة والإجراءات الحكومية المتخذة للحد من أضرار تغير المناخ على البيئة والأمن الاقتصادي والغذائي والاجتماعي خصوصاً مشكلاتنا مع المياه والجفاف، لكن لانشغال رئيس مجلس الوزراء، مع بداية تسنّمه مسؤولياته، بالكثير من متطلبات العمل الحكومي، فقد جرى الاتفاق ما بيننا على مشاركتي في قمة شرم الشيخ بعد قمة جامعة الدول العربية في الجزائر.
وهذا ما أدى إلى التأخر عن الحديث المباشر مع الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته عما نخطط ونعمل من أجله في عملنا كرئيس لجمهورية العراق، وهو عمل محدّد دستورياً ترسخ من خلال التجربة العملية للسلطات الديمقراطية ما بعد 2003.
قبل انتخابنا رئيساً للجمهورية كنت قد أعددت برنامجاً عاماً للعمل اطلع عليه كثير من الأطراف والقوى السياسية الممثلة في مجلس النواب، وكان أساس تفاهمنا على الدعم البرلماني الذي حظينا به من قبل ممثلي الشعب ونيلنا الثقة.
كانت مبادئ هذا البرنامج تطمح للتأكيد على حرصنا الشديد على المسؤولية الأساسية لرئيس الجمهورية كما صاغها الدستور في المادة 70 التي تنص على ما يلي: “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور”.
لقد جاء في ورقة برنامجنا التي تقدمنا بها لانتخابنا لرئاسة الجمهورية ما يلي:
1 ـ تنفيذ الاستحقاقات الدستورية التي أشار إليها الدستور خدمةً للمواطن والدولة.
2 ـ العمل على أن تكون هناك حكومة كفوءة تمثل مختلف أطياف الفضاء الوطني.
3 ـ دعم التشريعات الدستورية مع التمسك بالثوابت في الحقوق والواجبات والحريات والنهج الديمقراطي الذي اختاره الشعب.
4 ـ التأكيد على أهمية دور مجلس النواب الأساسي لإنجاح عمل الحكومة عبر التشريع والرقابة.
5 ـ بذل كل جهد ممكن من أجل مساعدة السلطة التنفيذية والسلطة القضائية لمواجهة آفة الفساد الذي يهدد كياننا الديمقراطي وذلك لضمان تصحيح مسار العملية السياسية، وتقديم أفضل الخدمات للشعب العراقي في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتنموية من خلال إدارة قوية تقوم بحملة لا هوادة فيها ضد الفساد وبجميع الاتجاهات.
6 ـ السعي إلى تعاون جميع مفاصل السلطة ومؤسسات الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية لمختلف شرائح الشعب ورفع المستوى المعيشي للمواطن.
7 ـ التنسيق بين مختلف الأطراف لإيجاد الحلول السريعة والناجعة والدائمة للمشاكل بين إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية من جانب ومن جانب آخر بين المحافظات غير المنتظمة في إقليم والوزارات والقطاعات المعنية، من أجل خلق بيئة وأوضاع طبيعية في كل مناطق العراق وبما يدعم ويرسخ أسس الوحدة الوطنية.
8 ـ السعي، وبالتعاون مع مجلس الوزراء ومجلس النواب، لكسب الدعم الدولي للعراق في مواجهة القوى الإرهابية التي ما زالت تهدد أمن وسلامة وسيادة العراق وتقوية الأمن وتثبيت الاستقرار في أنحائه كافة.
9 ـ من أولويات عملنا في رئاسة الجمهورية الحرص على تحشيد الدعم الدولي لإعادة بناء العراق وفقا لأسس جديدة تقوم على تحقيق تقدمه الاقتصادي والاجتماعي وتكرس موارده المادية والبشرية لمشاريع التنمية الاستراتيجية وتشجيع القطاع الخاص للتنمية والتجارة.
10ــ العمل على أن تكون هناك جهود حقيقية لإصلاح أوضاع القوات المسلحة العراقية بكل تشكيلاتها، وأن تعمل على أسس المواطنة والولاء للوطن وحماية الدستور، والعمل على أن يكون السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الرسمية حصراً ووفق الدستور، وفي جميع أنحاء العراق بدون استثناء.
11ـ الحفاظ على استقلال القضاء ومنع التدخلات السياسية في عمله والالتزام بقراراته.
12ـ العمل مع دول الجوار التي تنبع منها مياه أنهار العراق أو تمر عبر أراضيها، للتوصل إلى اتفاقات وتفاهمات فنية واقعية وعادلة تحفظ حقوق العراق المائية، مع السعي لتطوير إدارة المياه في العراق وإحياء جهود إنعاش الأهوار لإنقاذها من موجات الجفاف وإيقاف التصحر الذي يتمدد على حساب الأراضي الزراعية.
13ـ بناء دولة قوية بمؤسساتها تحت سيادة القانون والتوجه نحو التنمية، لكي يقوم العراق بدوره القوي في المنطقة والعالم، إضافة إلى الالتزام بالقانون الدولي الذي هو ركيزة أساسية لإقامة وحماية علاقات دولية متوازنة مع المجتمع الدولي.
14ـ دعم القطاع الاقتصادي الخاص من خلال خطوات جريئة وسريعة تتمثل بتشريع قوانين اقتصادية عصرية وتبسيط الإجراءات الحكومية وإلغاء الحلقات البيروقراطية لخلق بيئة أعمال حرة ودعم الاستثمارات المحلية والأجنبية.
15ـ العمل على إعادة المهجرين الذين شرّدوا من مناطقهم بسبب النزاعات المسلحة والإرهاب إلى ديارهم.
16ـ إعمار المدن والقرى والأحياء التي تعرضت للدمار والخراب من قبل الإرهاب.
17ـ السعي إلى تدعيم علاقات العراق في محيطه العربي والإقليمي والدولي بما يضمن سيادة وحيادية العراق والمحافظة على مصالحه.
عززت مشاركتنا في قمتي الجزائر وشرم الشيخ الثقة بإمكانية عمل جدي وفعال. التقينا هناك واجتمعنا بأجواء طيبة وبتفاهم مع كثير من رؤساء وملوك وزعماء ممثلين لبلدانهم في القمتين وقد لمسنا من المشاعر ما يؤكد إمكانية الدفع بعلاقات العراق الإقليمية إلى أمام باتجاه تنمية المصالح المشتركة لشعوب وبلدان الجوار والمنطقة من أجل خلق بيئة سياسية آمنة ومستقرة قائمة على أسس التعاون والبناء والسلام.
يمتلك العراق فرصاً طيبة ليكون محوراً في مثل هذه التفاهمات، ولعل النجاحات التي حققها خلال الأعوام الأخيرة في توفيره أجواء تفاهم بين بلدان الجوار تسمح له بمواصلة هذه الجهود التي يبدو أن الجميع في محيطنا الإقليمي بحاجة ماسة إليها.
سنعمل على دعم الجهد الحكومي بهذا الاتجاه بما من شأنه جعل العراق واحة سلام دائم.
إن الشأن المهم الذي منحناه كثيراً من الوقت والجهد هو مشكلة المياه التي تحدثنا عنها في قمة الجزائر واستغرقنا بتفاصيل أوسع فيها بقمة شرم الشيخ، وهي قمة تعنى بمشكلات المناخ كخطر يهدد العالم كله، والجفاف والتصحر وشح المياه عامل أساس وخطير في تفاقم هذه المشكلة التي تلقي بظلالها الثقيلة على الثروة المائية لبلدنا.
بحكم تخصصنا الأكاديمي وخبرتنا المحلية والدولية نستطيع من موقعنا كرئيس للجمهورية عمل الكثير بما يعضّد في هذا المجال جهد وزارة الموارد المائية، وذلك بالتفاهم مع السلطات في الجمهورية التركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وأيضا مع الجمهورية العربية السورية. من أجل التوصل إلى تفاهمات واتفاقات تؤمّن تقاسما عادلاً للمياه، وهذا ليس بالمستحيل.
تشكل هذه المشكلات هاجساً دائماً للعراقيين، مواطنينَ وسلطاتٍ، بما تمثله من خطر على الحياة والاقتصاد والبيئة، وسيكون ضبط أمننا المائي جزءاً استراتيجيا ومهما من أمننا الاقتصادي والبيئي.
إن مثل هذه الجهود في رئاسة الجمهورية هي عمل تكاملي مع الجهد الحكومي الذي أمامه الكثير من المهام والمسؤوليات التنفيذية ذات الصلة بحياة وعيش المواطنين وأمنهم، كما لها الصلة الوثيقة ببناء البلد وإخراجه من الركود الذي ظل يعاني منه طيلة سنوات.
إنّ وحدة الأهداف والجهود هي الحجر الأساس لنجاحنا وتحقيق هذه الأهداف كما أن الشعور المشترك بالمسؤولية عن حياة وكرامة أي مواطن هو البداية الصحيحة للبناء والانطلاق نحو المستقبل.
مقال رئيس الجمهورية خص به صحيفة الصباح الرسمية