الكاتب..علي حسين
كان السياسي ورجل القانون والصحفي حسين جميل وهو يدخل بقامته الفارعة إحدى مكتبات شارع السعدون، يشعرك بأنك ترى شيئاً من تاريخ العراق الزاهر.. كان رجل القانون في السياسة، ورجل الصحافة في القانون، الشاب الذي قاد تظاهرات كلية الحقوق قبل ما يقارب المئة عام ليفصل من الكلية فيقرر الدراسة في دمشق، يعود بعدها إلى بغداد ليساهم في تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي، وليكون من أوائل الذين عملوا في صحيفة الحزب “الأهالي”، ويحتل موقعه في مجلس النواب لثلاث دورات متتالية، بعدها أصبح وزيراً للعدل في العهد الملكي، ولم يجد عبد الكريم قاسم أكفأ منه ليبعثه سفيراً للعراق في الهند، وهناك يصدر أول كتاب عن ثورة 14 تموز، التي يصرالبعض على ان يسميها انقلاب !! .
قبل أكثر من نصف قرن رأى هذا السياسي والحقوقي الذي نفتقد نموذجه اليوم، أن العراق بحاجة إلى مجلس للخبراء يراقب عمل المجالس المحلية، فقد رأى سياسيُّنا الكبير، الذي عاش أكثر من تسعين عاماً، أن المجالس المحلية لا يجب أن تكون لها صلة بالتشريعات وإصدار القوانين وإنما مهمتها خدمية، لأنّ الكثير من أعضائها يجهل أو يتجاهل مسؤوليته الحقيقية.
في هذا المكان صدّعت رؤوسكم عن المسؤولين في الغرب وهم يقدّمون استقالاتهم لأنّ أمراً بسيطا حصل، فيما هذه البلاد لا يراد لها أن تغادر الوجوه التي وضعتها على قائمة البؤس العالمي.
كان الناس يتطلعون لتشييع مجالس المحافظات إلى مثواها الأخير، وأن يهدي الله الكتل السياسية والحكومة المركزية إلى اختيار محافظين تتوافر فيهم صفات النزاهة والسمعة الطيبة، محافظين يدافعون عن الناس وليس عن مصالحهم الخاصة، ويحتمون بالحصانة الوظيفية ضد الفساد، لا أن يستثمروها في الرقص مع الفساد، jحوّل بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس الناس البسطاء، محافظون ورؤساء مجالس محافظات يحتمون بالمناصب والوجاهة الاجتماعية والسطوة.
مذا فعلت مجالس المحافظات بالوطن؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال الذي يحيّر ملايين العراقيين، اسمحوا لي أن أنقل لكم ان البرلمان سيعيد مجالس المحافظات الى العمل ومعها المجالس البلدية ، “فالقادم خير” كما يقول أحد احد اعضاء مجلس النواب ، فشعار امجلس النواب العراقي في هذه المرحلة هو “يمضون ونبقى” مع رفع شارات النصر.. أما من الذي سيمضي؟ فبالتأكيد هو الشعب الذي تظاهر ضد وجود مجالس محافظات منتهية الصلاحية لا تصلح للاستخدام البشري.
لو كنا أسسنا لنظام عادل، لما كنا الآن في عصر الخراب. لربما كنا مثل الأمم التي وضعت التخلف وراء ظهرها واختارت العقل والعلم الحياة. نحن نمضي في اختيار الفشل والظلام والجهل، الذي حول مدن العراق إلى خرائب.
نقلا عن صحيفة المدى