الكاتب.. د. ثامر محمود العاني
لا بد من تسليط الضوء على العلاقة بين الأدوات الرئيسية للسياسة المالية من أجل مواجهة الأعباء المالية المتزايدة، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العراقي بشكل خاص من ضعف كفاءة وفاعلية السياسة المالية، نتيجة لوجود تذبذب في سلوك الحكومة، فضلاً عن غياب المصداقية في تحقيق تطور ملحوظ يصب في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، لا سيما أن معظم القرارات المتعلقة بالسياسة المالية يغلب عليها تأثير صانعي القرار السياسي والمصلحي والفاسدين؛ إذ تزايد الجدل حول الدور الذي تؤديه السياسة المالية ومدى كفاءتها في تحمل العبء المالي والمعبر عنها بالنفقات التشغيلية والاستثمارية من أجل تقديم الخدمات العامة، مهما اختلفت السياسات الاقتصادية للحكومة. ولأجل تحقيق التفاعل والتناسب الملائم بين الأدوات الرئيسية للسياسة المالية؛ فإنه من الضروري إيجاد آلية مناسبة بين هذه الأدوات على المستوى التطبيقي للاقتصاد من أجل تعزيز قدرة الحكومة على تحمل العبء المالي ورفع مستوى الاستدامة المالية.
يواجه الاقتصاد العراقي مشكلة «لعنة الموارد»؛ إذ إن العراق الدولة ذات الوفرة الأكبر يعيش فيها أفقر الناس؛ إذ تعرف هذه المشكلة في الاقتصاد بأنها العلاقة الظاهرة بين ازدهار التنمية الاقتصادية ووفرة الموارد الطبيعية، وعلى الرغم من أنه لا يوجد ازدهار في التنمية الاقتصادية في العراق، إذ تنخفض مساهمة قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد الناتج المحلي الإجمالي استناداً إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021، حيث تساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 5 في المائة في توليد الناتج المحلي الإجمالي للعراق، والصناعات التحويلية بمقدار 2 في المائة، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 44.2 في المائة… وهذا يمثل خللاً هيكلياً في الاقتصاد العراقي؛ إذ إن مساهمات القطاعات السلعية منخفضة جداً في توليد الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يؤدي إلى تعميق مشكلة الاقتصاد العراقي، والتي لا ترى نمواً حقيقياً في القطاعات الإنتاجية وإنما نمو في عائدات الحكومة النفطية نتيجة تحسن أسعار النفط خلال عامي 2021 و2022.
تصدّر العراق قائمة الدول العربية الأكثر نمواً في الناتج المحلي الإجمالي للعام 2022، وجاء في المرتبة الثانية ضمن قائمة الدول العشر الأعلى نمواً في العالم لعام 2022، حسب تصنيفات صندوق النقد الدولي الصادرة في تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» لشهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022، ولعل الأسباب التي ساعدت العراق على تسجيل نسبة نمو مرتفعة خلال 2022، تعود إلى النمو المتحقق بنسبة 9.4 في المائة، والزيادة في صادرات العراق بنحو مليون برميل مقارنة بفترة ظهور جائحة كورونا.
ومن الجدير بالإشارة، أن هناك وفرة مالية ممثلة في ارتفاع احتياطات البنك المركزي، وأخرى تتعلق بارتفاع أسعار النفط؛ إذ من الضروري استثمارها بتشريع الموازنة العامة للعام 2023؛ وهو ما سيؤدي إلى تحقيق معدلات نمو جيدة انطلاقاً من دعم الموازنة للجانب الاستثماري في قطاع التنمية؛ إذ يعد العراق مصدّراً رئيسياً للخام، وثاني أكبر منتج للنفط في منظمة «أوبك» بمتوسط إنتاج يومي بلغ 4.6 مليون برميل يومياً.
إن المسألة الجديرة بالاهتمام تكمن في معالجة الفساد وإصلاح الاقتصاد العراقي ومعالجة التحديات مع وضع أُسس متينة للنهوض بمختلف قطاعات الاقتصاد العراقي، وإيجاد الأرضية الصلبة لإطلاق خطط تنموية طموحة تتجاوز أخطاء الحكومات السابقة التي ركزّت على الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر أساسي لإيرادات الدولة وجعلت كل همها يتجه لضمان توفير مرتبات موظفي الدولة، والإنفاق على الحاجات الاستهلاكية غير الإنتاجية.
ينبغي أن تسعى الحكومة إلى دعم كل جهد حكومي للنهوض بالاقتصاد العراقي وتأمين مستقبل الأجيال القادمة، والأهم من ذلك تحييد القطاعات المتصلة بالنمو الاقتصادي والثروة الوطنية عن ساحة صراعات وسجالات المشهد السياسي، وبذلك يمكن أن تواصل الحكومة خطواتها الجدّية لمكافحة الفساد المالي والإداري وتهيئة المناخات المناسبة للاستثمار في مختلف القطاعات وبما يكفل تعاظم الثروة وطمأنة المواطن وجعله يتطلع للمستقبل بثقة، فضلاً عن المشاركة في صناعة المستقبل الواعد للاقتصاد العراقي.
إن العراق استطاع جزئياً توفير نفقاته التشغيلية رغم التحديات التي واجهته اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً، مع عدم وجود سياسة مالية فاعلة ورؤية واضحة لها في محاولة تنويع مصادر الإيرادات والاعتماد عليها بدلاً من الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي لتحمل العبء المالي، فضلاً عن ذلك أن الاقتصاد العراقي يعاني من اختلال هيكلي يؤثر بشكل سلبي في قدرته لتنويع مصادر إيراداته، في الوقت الذي تحتل السياسة المالية مكانة مهمة بين السياسات الأخرى؛ لأنها تستطيع أن تقوم بالدور الأعظم في تحقيق الأهداف المتعددة، ومن ثم مواجهة لعنة الموارد.
نقلا عن الشرق الاوسط