فلم نصف القمر (الغناء ضد الطغيان)
لهيب خليل
نُقل عن أحد أباطرة الطغيان في قديم الزمان قوله “عندما يكف الشعب عن الغناء أعرف أنني قد أحكمت قبضتي عليه.” والغناء هنا يمتد الى كل ضروب الابداع، فالشاعر يصنع أغنيته بالكلمات، والراقص يرسم أغنيته بجسده، والرسام بريشته، وكذا المسرحي والسينمائي والروائي، كل يصنع ويغني بطريقته للفرح وانعاش الامل ويدافع عن الجمال ضد القبح ويحرض على الحياة ضد الاستبداد ، لذا يبغضه الطغاة في كل زمان ومكان. إنهم لا يستطيعون أن يحكموا شعبا، الا اذا عاش عيشة الطحالب، حياته لا تعرف الالوان ولا الفرح ولا التفاؤل، قانع وراض ومستسلم وهكذا هو الشعب الكردي جعل الغناء جزءا من نسيجه الثقافي بل جعله من عناصر مقاومة شيخوخة الشعوب وليحرضه على التمسك بالحياة والتمتع بمباهجه وحفظ تراثه وسفره الخالد .
ما الذي يفعله الغناء في حياة البشر؟ بهمن قوبادي يجيب..
ففي فلم نصف القمر حكاية تتحدث عن فنان يُدعى مامو يسكن كردستان ايران، يأخذ تصريحا من السلطات الإيرانية لإقامة حفل في إقليم كردستان العراق، و هي أحد الحفلات التي ستقام بمناسبة الإطاحة بالنظام العراقي الديكتاتوري، ويبدأ مامو بجمع أبناءه العشرة الذين هم أعضاء فرقته الموسيقية أيضا، للسير صوب الحدود، وتعترضهم الكثير من الصعوبات، حيث نتابع من خلال أحداث الفيلم وكيف أنّ احدى نقاط التفتيش تعثر على المرأة المخبأة في صندوق الباص والتي من المقرّر أن تغني مع (مامو) بطل الفيلم، ويعتقلونها ويحطمون أدوات فرقته الموسيقية ، حتى بعد أن فرّ بها أحد الجنود وأعادها للفرقة، لكنها تختفي بعد ذلك مرة أخرى بعد أن تترك رسالة لـ مامو بطل الفيلم، ويظلّ مامو دون أدوات موسيقية ودون مغنية تؤدي الأغنيات معه في الحفل المرتقب، الذي يقول مامو فيه إنه انتظر 35 عاما ليحيي هذه الحفلة وهو عمر سيطرة حزب البعث الحاكم على العراق قبل الإطاحة به في العام 2003 ويبدو ان الدموع والاهات والبكاء لم تساعد الانسان القديم للتعبير عن الم الحزن فالانسان الذي اوجعه مصاب يبدأ بالصراخ والعويل وهو صوت مزعج لانه يذكر السامع بالموت وبالنوائب الامر الذي يبعد الناس عنه حتى لا يصابوا بنفس المصاب وخوفهم من الموت كنهاية ولهذا اراد الانسان ايجاد طريقة جديدة ليكسب تعاطف الناس معه وليقدموا له المساعدة كذلك لشرح ووصف وتخفيف معاناته الروحية ولانه عرف جمال بعض الاصوات في الطبيعة الامر الذي دفعه لتقليدها لهذا اكتشف الغناء وهي الية جميلة ساعدت الانسان على تخفيف جزعه وفاجعته والمه ولا ندري ان كان الامر مصادفة ان اختار المخرج الكردي بهمن قوبادي اسم نصف القمر لفلمه الذي تتحدث حكايته عن الغناء وما اوردته الوقائع التاريخية بان الانسان القديم اراد ان يدعو الالهة لتساعده على بعث روح الطمأنينة في قلبه راح ينشد ويغني وتقول احد مرويات التأريخ ان نيكال هي اول من انشدت للقمر ونيكال هذه وحسب الاسطورة انها كانت زوجة القمر كتب عليها العقم فظلت تبكي لرغبتها الشديدة في انجاب الاطفال وعلى الرغم من ان زوجها كانت موكلة اليه مهمة منح الذرية للمتزوجين الا انه لم يستطع فعل ذلك مع زوجته فقررت نيكال الابتهال الى كل الالهة المسؤولة عن الاخصاب والانجاب بصوت ملحن حزين ليرق قلبها وتمنحها الامومة . الغناء هو دعوة للاذن بان تسمع جمال الاصوات والنغم وحكايات الناس والعشاق والثوار والشهداء وكل نغمة هي روح ترفرف في سماء الابداع ،بهمن قوبادي..
مخرج سينمائي كوردي ، يعتبر من أفضل المخرجين الكورد حاليا، حيث يتميز بحس فني عال وبراعة في تصوير المشاهد المؤثرة
ولد قوبادي سنة 1969 في بلدة بانة على الحدود الايرانية القريبة من العراق و درس السينما في طهران وعمل في المجال السينمائي وأنجز عدد من الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة قبل أن يتحول إلى الأفلام الطويلة. يعتبر قوبادي أفضل من جاء لخلافة المخرج الكردي الكبير يلماز غوناي فقد نال عدد من الجوائز العالمية في مجال الإخراج السينمائي وشارك في العديد من المهرجانات العالمية أهمها مهرجان كان ،إنّ أحد أبرز مشاهد فيلم (نصف القمر) هو مشهد مجموعة نساء يضربن الدفوف بما يُشبه مهرجانا من النساء بثياب مزركشة، يحملن الدفوف بحركة متزامنة وموجية من فوق الأسطح في تلك القرى الحدودية التي تبني بيوتها حيث ترتفع مع الجبال كأن المخرج يغني في المشهد متسائلا مع الدفوف متى يكتمل القمر وتغني كل اطراف كردستان ؟