الكاتب.. عبدالمنعم الأعسم
لم اجد استهلالا مناسبا لعنوان كلمة العام الجديد انسب من العبارة التي تستخدمها البيانات الامنية عادة عندما تصف وضعا خارج الانضباط والتوقعات ولا يمكن التكهن بمآلاته، في حين يخفي اللاعبون اوراقهم ونياتهم وصفقاتهم وراء وجوه تحرص على اعدادنا لمرحلة اخرى لا تختلف عن سابقاتها.
لكننا في مطلع كل عام نزاول لعبة التمنيات، كجرعة عقار نستقوي بها على الخوف مما ينتظرنا، ثم ندسها في حشوة اضطراباتنا لنجعل منها اسئلة صالحة لحسن الظن، والى احتمالات لا تتعارض مع منطق الاشياء، والى تهانٍ نبيلة ونظيفة مثل دمع العين، وفي غضون ذلك نتسلى بالبيانات المُضحكة التي يصدرها الساسة من اصحاب الحل والربط بالمناسبة، متمنين لنا عاما سعيدا، وطي العام الذي اكلوا فيه لحم اكتافنا وطعام صغارنا.
وإذ ندع التشاؤم جانبا فان العام 2023 سيكون عام مخاضات عسيرة.. اليست هذه قراءة بلاغية إخبارية مكررة لمخاضات بلا علائم؟ يقولون، نعم، ثمة مؤشرات مسبقة لاحداث وتحولات في تقاويم هذا العام، إذ تسبق بلوغ الاجنة أجَلها بعلامة الانقباض على الرحم والتمرد على مساحته وقدره، ويقولون، لا مفر من الاستعداد لاستقبال الوليد، والسعي الى تغيير معدات المشهد وتجديد مضامينه، وبخلاف ذلك-كما يقولون- فاننا حيال مصير مجهول، كانت قد سبقتنا اليه امم نسيها التاريخ المكتوب.
على صعيد منظور لكلّ ذي عينين فان كل شيء خارج السيطرة.. انظروا حال سعر الدولار، حال الحدود مع الدول، حال مجلس نواب الاطار التنسيقي، حال النهب والفضائح والصفقات، حال القضاء والقدر، وبرغم كل ذلك فان تمنياتنا تتسع الى اغصان زيتون كثيرة، ورطب، وأمن، ووجبة طعام غير مسمومة، وفرص عمل كريمة، لزوم ان نجددها ونتجدد فيها، بوصفها العلامة الدالة على اننا مخلوقات مسالمة، او على وجه الدقة، اننا ولدنا مسالمين قبل ان نتوزع الى اقدار متناحرة: ابرياء وجناة، مثلما توزع قبلنا بالفي عام اصحاب يسوع الى ملائكة وشريرين .
وفي كل عام، منذ ذلك الوقت، نعيد قراءة حكمة الطفل النبي، ونتقصى منها احوالنا وامتعتنا وسجلاتنا، ونستشرف منها طالعنا وايامنا المقبلة، فنتساءل أي عالم عجيب حل فينا؟ واية زلازل عصفت بنا؟ وماذا ينتظرنا من وعورات ومعارك واعوام؟ ثم نتواكل على غريزة البقاء بمواجهة تحديات الفناء والردة لنعطي الشهداء الذين حملوا راياتنا وحصدتهم بنادق القناصة شارة الوفاء والذكر الجميل، وللمسيح بعض دين في رقابنا يوم بشرنا بالمسرات، وان يكون خبزنا كفافا ..”وعلى الارض السلام”.
نقلا عن صحيفة المدى