المسرى متابعات
محمد البغدادي
برغم الاتفاق الشكلي بين بغداد واربيل مؤخر على الموازنة وتشريع قانون للنفط والغاز لايزال الخلاف على ملف النفط والغاز قضية غير محسومة منذ أكثر من عقدين، وقد دعت الولايات المتحدة، في وقت سابق ، الحكومتين إلى التفاوض بشأن هذا الخلاف والاستفادة من بعثة الأمم المتحدة المكلفة بالمساعدة.
قانون النفط والغاز في العراق، الذي ينتظر التشريع في البرلمان منذ عام 2005، ينص على أن مسؤولية إدارة الحقول النفطية في البلاد يجب أن تكون مناطة بشركة وطنية للنفط، ويشرف عليها مجلس اتحادي متخصص بهذا الموضوع. لكن منذ عام 2003، تختلف بغداد وأربيل، على موضوع إدارة حقول الإقليم النفطية.
بغداد تقول إن الإقليم لا يصرح بمبالغ تصدير النفط الحقيقية ولا يسلم تلك المبالغ إليها، بينما تقول كردستان إن الصادرات من الحقول النفطية في أراضيه يجب أن تخضع لإدارته، سواء من ناحية منح التراخيص للاستكشافات الجديدة، أو إدارة الحقول الموجودة أصلا، أو التحكم في الإنتاج والتصدير للوجهات التي يختارها، أو التعاقد على الشراء والتطوير.
قانون النفط الكردستاني يشير إلى أن “وزارة النفط في الإقليم أو من تخوله تتولى مسؤولية “التنظيم والإشراف على العمليات النفطية… وكذلك كل النشاطات التي تتعلق بها من ضمنها تسويق النفط”، وأيضا “التفاوض وإبرام الاتفاقات وتنفيذ جميع الإجازات ومن ضمنها العقود النفطية التي أبرمتها حكومة الإقليم ، ويقول القانون إن للحكومة العراقية حق “المشاركة في إدارة” الحقول المكتشفة قبل عام 2005، لكن الحقول التي اكتشفت بعدها تابعة لحكومة الإقليم.
ويحصل إقليم كردستان العراق على نسبة من الموازنة العراقية يمكن لحكومة الإقليم أن تنفقها على القطاعات الخدمية والتشغيلية والاستثمارية، بدون الرجوع لبغداد. وتتكفل الموازنة الاتحادية أيضا بدفع رواتب موظفي الإقليم.
الصحفي، أحمد حسين، يؤكد في تصريح صحفي أن “إقليم كردستان مجبر وفق قوانين الموازنة على تسليم حصص من النفط للحكومة الاتحادية، لكن الإقليم لم يف بهذه الحصص في أي عام منذ 2005”. ويضيف حسين ، أن “رئيس الوزراء في حكومة 2014-2018، حيدر العبادي، كان أول من استخدم رواتب الموظفين الكرد للضغط على حكومة الإقليم للإيفاء بحصصها”.
ولا توجد إحصائيات حكومية عن النفط المصدر من إقليم كردستان، لكن وزارة النفط العراقية نشرت تحليلا في مايو الماضي قال إن حكومة الإقليم ارتكبت “مخالفات قانونية وإجرائية” في بيع النفط تسببت بخسائر كبيرة.
وذكر تحليل منشور على موقع وزارة النفط العراقية “تشكل العوائد المالية لحكومة الإقليم بنسبة لا تزيد عن 80 في المئة كمعدل بعد استقطاع كلف الإنتاج (كلفة إنتاج برميل النفط)، بينما تشكل العوائد المالية لجولة التراخيص الأولى والثانية (أقامتها بغداد) من 94.5 في المئة إلى 96.5 في المئة، وإن كلفة الإنتاج تعادل (4) أضعاف كلف الإنتاج في جولات التراخيص لوزارة النفط الاتحادية”.
وقالت الوزارة “من جانب أخر، وقعت حكومة الإقليم على نفسها من خلال عقود المشاركة بالإنتاج التزاما تعاقديا بإعفاء المقاولين من الضرائب وسمحت لهم بتضخيم أرباحهم دون فرض أي نوع من أنواع الضرائب أو مشاركتهم تلك الأرباح المتضخمة وخصوصا عند أتفاع أسعار النفط عالميا”.
من جانبه، قال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، جوتيار عادل، في تعقيب لوسائل إعلامية ” إن “فارق السعر ناتج عن الضغوطات التی مارستها ولاتزال تمارسها شركه “سومو” ضد الشركات النفطية العاملة في إقلیم كوردستان”.
و”سومو” هي شركة تسويق النفط العراقية الحكومية المسؤولة عن بيع النفط العراقي.
وأضاف عادل أن العقود التي وقعها الإقليم “عقود المشاركة لا علاقة لها بتكلفة الاستخراج والإنتاج ولا علاقة لها بالخلاف بين الطرفين”.
وبعد قرار المحكمة الاتحادية ، عينت وزارة النفط، بحسب رويترز، شركة المحاماة الدولية، كليري غوتليب ستين، وهاملتون للتواصل مع بعض شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان “لبدء مناقشات لجعل عملياتها تتماشى مع القانون العراقي المعمول به”.
وأدت الجهود كما يبدو إلى انسحاب شركة “شلمبرغير” لخدمات حقول النفط، من إقليم كردستان، التزاما بقرار المحكمة الاتحادية.
وهذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها الشركات العاملة في الإقليم التزاما من هذا النوع بقرارات بغداد.
لكن وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان العراق قالت إن تصرفات الوزارة “غير قانونية”.
وقال بيان للوزارة نشر في 13 يونيو: “استدعت المحكمة التجارية (الكرخ) في بغداد، الشركات العالمية العاملة في إقليم كردستان وذلك بناء على طلب وزير النفط العراقي. والشركات هي (دي.إن.أو) و(يسترن زاكروس) و(أتش.كيه.إن) و(شارمان) و(غينيل إنيرجي) و(أداكس) و(غولف كيستون)، والتي تنفذ أعمالها وفقا لقانون النفط والغاز في إقليم كردستان رقم 22 لسنة 2007 والذي أقره برلمان كردستان بما يتوافق مع أحكام الدستور العراقي”.
وقال البيان إن الاستدعاء “يمثل أحدث سلسلة من الإجراءات غير القانونية التي اتخذها وزير النفط في حكومة تصريف الأعمال ببغداد، ويبدو أن هذه الممارسات غير القانونية تستند إلى الحكم الصادر عن محكمة في بغداد تسمي نفسها “المحكمة الاتحادية العليا”، والتي أصدرت في 15 فبراير 2022 قرارا يحمل دوافع سياسية ويهدف لإلغاء قانون النفط والغاز لسنة 2007 في كوردستان، في حين أن أي محكمة في بغداد لا تملك صلاحية اتخاذ قرار كهذا”.
واتهمت الوزارة المحكمة الاتحادية بأنها “غير دستورية”.و بأنها تقوم بـ”ترهيب ومضايقة الشركات العاملة في إقليم كردستان”.
وقال متحدث في الخارجية الأميركية في تصريح سابق ، إن “على حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل لقضية النفط يكون مقبولاً للطرفين وتجنب اتخاذ خطوات تؤجج التوترات”. وأضاف المسؤول، أن “التفويض الجديد لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” يكلفها على وجه التحديد بمساعدة الأطراف على تحقيق ذلك”.
ويكتسب النفط العراقي، وهو ثاني أكبر مصدر للنفط في “أوبك”، أهمية خاصة في ظل الظروف العالمية الحالية، حيث أدى الصراع في أوكرانيا وتداعيات فيروس كورونا إلى ارتفاع تاريخي في أسعار النفط الخام.
وأعلنت اللجنة المالية النيابية اليوم السبت ، عن سعيها الى إدخال واردات تصدير الغاز المصاحب للنفط في كشوفات موازنة العام الحالي والعامين المقبلين 2024 و2025، مبينة ان عملية استخراجه بحاجة لتخصيصات تساعد على استثمار مكامنه والتي تغني البلاد عن اللجوء إلى استيراد الغاز المستعمل كوقود لمحطات توليد الطاقة الكهربائية.
وقال عضو اللجنة، معين الكاظمي، في حديث صحفي ان ” “استثمار الغاز المصاحب والحر تم بحثه خلال زيارة رئيس الوزراء محمد السوداني ، مبيناً أن” هناك رغبة كبيرة لدى ألمانيا وفرنسا و الاتحاد الأوروبي بدخول هذا القطاع والعمل على إيصاله إلى أوروبــا من خلال أنابيب عبر تركيا”.
وأضـاف الكاظمي ان “معالجة الغاز المصاحب بـدلا من إحراقه طيلة العقود والاستفادة منه الماضية يعد من الأولويات اليوم”، لافتاً إلى أن “استغلال الغاز المصاحب بحاجة إلى المزيد من الوقت ولا يمكن إدخاله ضمن موازنة عام 2023 كــواردات وإنما سيحتاج إلى مخصصات مالية لتأهيله والسيطرة عليه وبهذا يمكن أن يدخل الغاز المصاحب في واردات عام 2024 و2025 لكي يستغني العراق عن استيراد الغاز من دول الجوار”.
وتأتي التطورات الإيجابية الأخيرة في العلاقات بين الطرفين بعد سلسلة من أزمات سياسية واقتصادية ومالية وقانونية، أبرزها قرار المحكمة الاتحادية -وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد- المُتضمن إلغاء كافة القرارات الخاصة بتحويل الأموال الشهرية إلى الإقليم، وبطلان قانون النفط والغاز الذي شرّعته حكومة كردستان عام 2007، وتسليم نفطها لبغداد.
في الاثناء يرى المحلل السياسي علي فضل الله في زيارة السوداني إلى كردستان “حسن نية” من رئيس الحكومة لتصفير الأزمات بين بغداد وأربيل، ومضي الطرفين في إنهاء وحلحلة الخلافات العالقة المُرحّلة من الحكومات السابقة للعمل أكثر على استقرار البلد.
وعن أسباب هذه الانفراجة بين الطرفين بعد شبه انسداد سياسي وصل حد القطيعة وتبادل الاتهامات بينهما، لا يخفي فضل الله وجود عدّة عوامل دفعت الخلافات إلى الحلحلة. ومن أبرز تلك العوامل، قرارات المحكمة الاتحادية التي شكلت ورقة ضغط تجاه الإقليم ونتج عنها الضغوطات الجماهيرية والشعبية التي طالبت بتحقيق الرفاهية المالية والاقتصادية التي أصبحت عبئا على حكومة كردستان جراء قطع الإمدادات المالية من الحكومة المركزية. حسب تعبيره