الكاتب .. حسين الانصاري
اليوم اصبح العالم مهددا ليس بالحروب والاحتلال المباشر بل بحروب من نوع اخر ولعل المياه هي واحدة منها حيث باتت شحة المياه تشكل ازمة عالمية تهدد معظم البلدان لاسيما تلك البلدان التي تقع في المنصب ومع تصاعد متغيرات المناخ وتأثيراته تتضح اكثر اذ تزايدت حدة الجفاف والتصحر وقلة الامطار بسبب عوامل كثيرة ادت الى ارتفاع درجات الحرارة الامر الذي جعل المياه تتناقص بشكل. سريع مما جعلها تتحول الى سلاح ووسيلة للسيطرة وفرض الارادات والتحكم بمصائر الغير وهذا ما اصبح واقعا وامر ا فرضته دول المنابع وذات الحال يجري اليوم مع العراق. من قبل ايران وتركيا اللتان قامتا ببناء ا السدو د وخزن المياه وتقليل النسب المتفق عليها ضمن المواثيق والاعراف الدولية بين الدول المتشاركة في الانهار مما تسبب في ازمات حقيقية انعكست على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للعراق حيت ادى نقص الماء الى تصحر مساحات كبيرة من البساتين والحقول وجفاف المزارع والمناطق المائية التي كانت موئلا لانواع كثيرة من الطيور والاسماك والحيوانات التي كانت تشكل ثروة مهمة في اقتصاد البلاد ومن عواقب ازمة المياه هي الهجرات السكانية نتيجة التأثيرات السلبية المباشرة وتردي الوضع الحياتي لعدد كبير من سكان تلك المناطق الذين ترتبط حياتهم اساسا بالمياه والزراعة والصيد وكل ما يرتبط بوجوده ،إن الصراعات حول نسب تخصيص مياه الأنهار الكبرى في العالم -كالنيل ودجلة والفرات وديالى غيرها الكثير من الانهار الصغيرة الاخرى على سبيل المثال لا الحصر- كانت مستمرة منذ عقود طويلة وقد تم قطع المياه لعشرات الانهار في الاراضي العراقية او تغير مجراها الامر الذي شكل خطورة قد تصل إلى مستوى الحرب الشاملة بسبب استمرار تصاعد حدة الازمة ونقص المياه واستمرار دول المنبع ببناء السدود وتقليل الحصص المائية الى نسب كبيرة مما نجم عنها كوارث بيئية وخراب في اقتصادات الكثير من الدول وهذا من شانه ان يزيد حجم الصراعات ويخلق مزيدا من الازمات التي تنعكس في معظم مجالات الحياة ، ومنذ سنوات والعراق يعاني ويسعى لحل مشكلة المياه لكن دون نتائج ملموسة جراء ذلك ورغم المناشدات والمطالبة بالحصة المائية من البلدين الجاريين لكن لم تجد نفعا ولكن زيارة رئيس الوزراء العراقي الاخيرة لتركيا وما تم خلالها من مباحثات واتفاقيات مختلفة وافقت تركيا على زيادة نسبة المياه لمدة شهر واحد. ولكن ما نفع هذه الزيادة المائية ان لم يتم استثمارها وخزنها بدلا ان تمر بنهري دجلة والفرات لتذهب الى شط العرب وتنتهي بالمياه الاقليمية دون اية فائدة علما ان العراق كانت لدية سدود وبحيرات لخزن المياه منها الثرثار وساوة وبحيرة الحبانية وكذلك بحيرة حمرين والرزازة والنجف والعظيم وسد الموصل وسامراء وهناك الكثير من البحيرات الاخرى التي انخفضت فيها مناسيب لمياه بل جف معظمها ، اذن كيف ونحن امام ازمة مياه متفاقمة لاسيما ونحن مقبلون على فصل الصيف وامامنا زيادة لمدة شهر فقط، اليس حريا بالجهات المعنية ان تعد العدة لاستثمار كل قطرة من هذه المياه ومحاولة خزنها قبل ان تغادر اراضينا وتضيع كما ضاعت من قبل ولسنين طويلة لم تستطع خلالها الحكومات السابقة من ادارة ملف المياه وايجاد حلول استراتيجية لهذه الازمة المستمرة.
إن الدول ضعيفة الحكومات تكون دائما هي الخاسرة حين تتكالب عليها الدول المحيطة لتنهش زادها وخيراتها وتجعل منها دول تابعة لسياساتها ودعم مصالحها وهذا هو حال العراق اليوم الذي يعيش مسلسلا من الازمات على راسها ازمة المياه والكهرباء ناهيك عن ازمات نقص الخدمات وفشل الادارات الحكومية بعد تغول ظاهرة الفساد وانتشار العنف والسلاح المنفلت وخراب اقتصاد البلاد بفعل غياب التخطيط او بطرق مقصودة ادت الى سرقة المال العام وتهريبه خارجا ثم تصاعد عمليات غسيل الاموال التي انعكست بشكل واضح في تراكم الاموال وتضخمها لدى اطراف. سياسية او حكومية.
ان هذا الواقع المأزوم يتطلب من الحكومة الحالية اتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة الامور بجرأة واقتدار ومنها ازمة المياه والتعامل معها بما يجبر دول المنبع على الرضوخ وتطبيق بنود الاتفاقيات الدولية واحترامها وهناك الكثير من السبل التي بالامكان اعتمادها لعل في مقدمتها التلويح بايقاف التعامل التجاري مع تلك البلدان التي بات العراق يشكل لديها سوقا استهلاكيا مهما لمواردها ودعم اقتصادها وهذه ورقة تملكها اليوم الحكومة العراقية لو تمكنت من استثمارها الى جانب تهيئة اماكن كافية لخزن المياه وبناء السدود لكي يكون المخزون مياها احتياطية لسد النقص ومواجهة اي تحديات محتملة ،ومن خلال التحركات الجادة لحكومة السوداني عسى ان يتغير النهج السابق لتركيا وايران ونرى من جانبهما اهتماما حقيقيا بالشأن العراقي وما تسببا فيه من اضرار ودمار لبلاد كانت تسمى فيما مضى ارض مابين النهرين.
نقلا عن صحيفة الدستور