فتح الله حسيني
يفضي كتاب “جدل كردستاني على ضفاف دجلة” وهو الإصدار الجديد للكاتب والسياسي الكردي المعروف ستران عبدالله؛ عبر دهاليز واضحة أحيانا ودهاليز مخفية احيانا أخرى إلى شؤون حياتية ومفصلية كثيرة؛ وقضايا سجالية وإشكالية شائكة؛ بدءا من الوقائع المفروضة؛ والتي أصبحت تاليا ماضيا غير منسي ومرورا بالتباين السياسي الحاضر في بلاد قائمة على توافقات سياسية دون حلول ناجعة أخرى؛ ووصولا الى استعادة مكر التاريخ؛ هذا المكر الذي يسجل للكاتب الكردي البارز ستران عبدالله وحده؛ في اتخاذه كتدبير حياتي ماضيا وراهنا لأن ذاك المكر وبحسب الكاتب؛ هو تدوير لسنة الحياة وقساوتها وسنين النضال؛ حيث أن مكر التاريخ أشد من مكر الدكتاتورية وتدابيرها ليطل – هو – على نهر دجلة تماما كما تسنى للرئيس طالباني أن يطل على النهر ذاته؛ ليكون بعد تأمل غير طويل وعقود طويلة من النضال والكفاح مدخلا للخوض في سجال جديد غير منتهي في عراق جديد لا تنتهي اشكالياته، بينما بالنسبة للكردي هو سجال قديم؛ ويستأنف؛ وبات هذا السجال بحد ذاته مرهونا برمته لواقع جديد فرضته توافقات سياسية بعد مرارات حكم الحزب الواحد والحاكم الأوحد في بلاد تنوع فيه البشر والحجر وحتى الشجر.
يشهد الكاتب والسياسي ستران عبدالله على مراحل مهمة ومفصلية وتاريخية معا في كتابه هذا الصادر حديثاً عن مؤسسة “المسرى” الإعلامية وبذلك؛ فإنه يوثق عدالة القضية ولا عدالة النظم السياسية التي تعاقبت على حكم العراق؛ ومن ثم ليكون المتابع بحق للشأن السياسي حيال شؤون وشجون حلت على أركان البلد وبذات الوقت أخلت بالنظم الديمقراطية شبه المعدومة اصلا عبر عقود مريرة وسنوات أكثر مرارة؛ حتى مرحلة التحرير وسقوط الدكتاتورية لتكون دجلة؛ النهر؛ الشاهدة الأولى على السقوط وليكون هتاف الشعوب العراقية عاليا : الدمقرطة اولا والحرية ثانياً والكرامة ثالثاً.
تجريد القضايا المهمة من مخمليتها الفارهة ربما هو هاجس كبير تحسسه الكاتب ستران عبدالله في مجمل ما طرحها من رؤى سياسية وفكرية بلغة واضحة تصل إلى حد البلاغة؛ وبالنسبة للكردي الرصين فأن همه القومي ثم الوطني يجعله ذا همين وقضيتين معا دون مواربة؛ كما يشي الوضع العام في خارطة البلاد المتعافى بعد عقود السقم الطويلة .
أصل الفكر غير السوي الذي لازم وما زال يلازم البعض من المتوسدين لمرحلة البعث؛ في سدة القرار السياسي هو الذي يفضي أيضاً إلى متاهات أخرى؛ متاهات سلبية ومقيتة كما يكشف عن نواياها الكاتب ستران في إحدى رؤاه تحت عنوان “صدام والصدامية” مرفقا العنوان بعلامة تعجب ورغم ان لا تعجب في راهننا هذا ولكن يظل السؤال: لماذا ما زال البعض يتشبث بعباءة صدام المخلوع ويريد إفساد فرحة سقوط الدكتاتورية؟.
سؤال مشروع كحق وليس كمنة..
وهذا الواقع تماماً نستطيع إسقاطه على الواقع في مدينة كركوك الكردستانية والذي يوضح ويفضح ويفصح عنه الكاتب في مقاله المعنون “فلسطنة كركوك” إذ إنه لا سبيل الا بالانصياع إلى خارطة حل أزمة كركوك والمتمثلة بالمادة ١٤٠ من الدستور العراقي دون بالانصياع إلى جعل كركوك فلسطين أخرى ومن ثم جعلها مادة للمزايدة والطعن في وطنية الأطراف وفي مصادرة الرؤى والتوجهات المختلفة.
كتاب “جدل كردستاني على ضفاف دجلة” يأخذ على عاتقه مهمات صعبة ليفصح عن حقائق كانت كامنة بفعل الدكتاتورية؛ ولكن ما أن رفرفت راية الحرية فلا بد من تسمية الأشياء بمسمياتها دون رتوش وهذا ما يصبو اليه الكاتب ستران عبدالله بعد عقود طويلة من الكتابة السياسية والفكرية والثقافية.
يتوزع الكتاب على عدة فصول ومبوبة حسب الرؤى :
كردستان وبغداد وما بينهما
الكرد في خلافاتهم
كردستان والشان الاقليمي
في ملف كركوك
في الشأن الدولي
في حديقة الثقافة
محفظة قديمة
بهذا التوزع وبحسب المواضيع فأن المنجزين السياسي والثقافي يتداخلان في فحوى كتاب واحد وبقلم واحد لنكون في النهاية إزاء مفترق طرق ولكن ما يجب سلكه هو طريق الديمقراطية التي فقدتها البلاد وافتقدتها كثيراً ولا يجب الحنين إلى استعادة الدكتاتورية بزي جديد وبهيئة جديدة بعد أن تم إنهاء الدكتاتورية بانهر من دماء لا تقل عن جريان دجلة ذاتها.