صلاح عزيز/ مؤسس ورئيس سابق لجامعة کومار للعلوم والتکنولوجيا
السليمانية-کوردستان العراق
انتهى مؤتمر عن معاهدة لوزان 1923 في کوردستان سوريا في 8 تموز 2023 و سيعقد المؤتمر الوطني الكردستاني (KNK) مؤتمرًا آخر في لوزان-سويسرا خلال 23-24 يوليو الحالي، مما يدل على اهتمام الناشطين الکورد بالمعاهدة.
معاهدة لوزان التي وقعت في عام 1923 هي معاهدة سلام بين تركيا وقوى الحلفاء الفائزة في الحرب العالمية الأولى وقد تم توقيعها في مدينة لوزان في سويسرا. تحددت من خلال هذه المعاهدة حدود تركيا الحديثة واعتراف الدول الأخرى بها.
يعود اهتمام الناشطين الکورد بالـمعاهدة الى اعتقاد بانها ادت الى تقسيم الأراضي التي سكنها الکورد في کوردستان-العثمانية بشكل كبير بين تركيا وسوريا والعراق مما نتج حرمان الکورد من دولة مستقلة واضطهادهم من قبل الدول التي اصبحوا فيها اقلية.
في هذه المقالة اود تسليط الضوء على عدة جوانب من معاهدة لوزان 1923 ومحاولة طرح فهم جديد لها واقتراح بعض الخطوات العملية للاستفادة من الواقع الجيو سياسي والمعاهدات الدولية لصالح المشروع الکوردي.
اولا: وصف معاهدة لوزان 1923
نشر المعهد المصري للدراسات النص الكامل لمعاهدة لوزان عام 1923 في 17 أغسطس 2020، حيث قام عادل وفيق بترجمتها إلى العربية. النص العربي يتكون من الأقسام التالية، مع ذكر عدد البنود في كل قسم:
أ/ مقدمة المترجم عادل وفيق: يتحدث فيها عن أهمية المعاهدة.
ب/ نص المعاهدة: ويتكون من مقدمة قصيرة تذكر أسباب تبرير المعاهدة وهي إنهاء حالة الحرب بين الحلفاء وتركيا وإعادة تأسيس “علاقات الصداقة والتجارة” التي تعتبر ضرورية لرفاهية شعوبهم وتثبيت واحترام استقلال وسيادة الدول وتم ذكر أسماء ممثلي الطرف الأول وأهمهم بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، اليونان، وغيرهم، وأسماء وفد حكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا. ويتضمن النص العربي الأجزاء والأقسام والبنود التالية:
الجزء الأول: البنود السياسية، يتكون من 3 أقسام، ويحتوي على البنود من 1 إلى 45.
الجزء الثاني: البنود المالية، وتتكون من 2 أقسام، وتحتوي على البنود من 46 إلى 63.
الملحق الأول للقسم الأول: يتضمن جدولًا بعنوان “جدول الدين العام العثماني قبل الحرب” في 1 نوفمبر 1914.
الجزء الثالث: البنود الاقتصادية، تتكون من 2 أقسام، وتحتوي على البنود من 64 إلى 100.
الجزء الرابع: الاتصالات والمسائل الصحية، تتكون من 3 أقسام، وتحتوي على البنود من 101 إلى 143.
ثانيا توضيح معاهدة لوزان 1923: باختصار، توضح المعاهدة حقوق الحلفاء والتزامات تركيا، وتشمل:
1/تحديد الحدود الدولية: تحددت حدود تركيا الحالية واعتراف الدول الأخرى بها.2. إلغاء القوانين العرقية: تم إلغاء القوانين العرقية والدينية التي كانت موجودة في الدولة العثمانية واعتماد مبدأ المساواة بين المواطنين.
2/ تم استخدام مصطلح “الأقليات” في المعاهدة للإشارة إلى الأقليات الدينية، حيث وافقت تركيا على حقوق الأقليات الدينية، بما في ذلك حرية العبادة، واستخدام اللغة الأم، وإنشاء مدارس خاصة، والمساواة في المحاكمة مع المسلمين. تم تعيين مفوض أوروبي لمراقبة تنفيذ هذه الحقوق في تركيا. لم يشار الى الاقليات القومية (کالعرب والکورد) بحکم انهم مسلمين حالهم حال التورک.
3 /التبعية الدينية: تم تأكيد حق الأقليات الدينية في ممارسة الشؤون الدينية وإدارة ممتلكاتها.
4/النفوذ الخارجي: تم سحب النفوذ الخارجي من تركيا وإنهاء الاحتلال العسكري للأراضي التركية.
5 /مصير الأرمن: لم يتم تناول قضية المجازر الأرمنية في هذه المعاهدة وتم تأجيلها لمفاوضات لاحقة.
6/ ترحيل السكان: تم تنظيم عمليات تبادل السكان بين تركيا والدول المجاورة لتحقيق توازن ديمغرافي في المناطق المتنازع عليها.
7/ الاتفاقية المالية: تتعلق هذه الاتفاقية بالالتزامات المالية للإمبراطورية العثمانية وتحدد شروط سداد ديونها. ووافقت ترکيا على سداد الديون المقدرة بمبلغ 2.5 مليار جنيه إسترليني. وهو مبلغ کبير اذا اخذنا بنظر الاعتبار عدد سكان تركيا المقدر بأقل من 15 مليون نسمة. كان الثمن مرتفعًا ولم تستطع الحکومة الترکية سداده ولذلک تم اعفائها من نصفها مع مرور الزمن.
8 /اتفاقية تبادل السكان اليونانيين والأتراك: تحدد هذه الاتفاقية تبادل السكان بين اليونان وتركيا، وتشمل إعادة استقرار المسيحيين الأرثوذكس اليونانيين من تركيا إلى اليونان والأتراك المسلمين من اليونان إلى تركيا.
9 /اتفاقية تبادل الممتلكات: تنظم هذه الاتفاقية نقل الممتلكات والأصول بين اليونان وتركيا كجزء من تبادل السكان.
10/ اتفاقيات مع دول أخرى: تم توقيع اتفاقيات إضافية بين تركيا ودول أخرى مثل بلغاريا وإيطاليا والعراق، تناولت قضايا متعددة بما في ذلك النزاعات الحدودية واعتراف بالمعاهدات القائمة. تم ذكر اعتراف تركيا بدول شمال إفريقيا وحدودها الجنوبية مع سوريا (التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي)، وحدود ألمانيا الجديدة، والنمسا، وبلغاريا، واليونان، والمجر، وبولندا، ورومانيا، والدولة الصربية، وغيرها. تخلت تركيا عن قبرص وقبلت بالاستيلاء البريطاني عليها. أما بالنسبة للعراق، فجاء في البند رقم 3-2 “ترسم الحدود بين تركيا والعراق وفقًا لاتفاقيات ودية ستُبرم بين تركيا وبريطانيا في غضون تسعة أشهر”. وكما هو معروف، تم رسم الحدود التركية العراقية في عام 1926.
ما زالت معاهدة لوزان 1923 تثير الكثير من الاهتمام والجدل في تركيا من جهة والعراق وسوريا واليونان من جهة اخرى. فلا تزال الدول المعنية تشير الى المعاهدة عند الحديث عن سيادة الدولة، وحدود اراضيها، وتوزيع الموارد المائية، واخيرا حقوق الأقليات في تركيا، وخاصة الکورد. لذڵک يهتم صناع القرار والباحثون والاکاديميون والاعلام بالمعاهدة المذکورة.
ثالثا، طرح المعاهدة من قبل الکتاب والباحثين الکورد لمعاهدة لوزان 1923: بالنسبة للناشطين والکتاب الکورد، تعطى اهمية عاطفية للمعاهدة ولذلک تقيـم مؤتمرات والکتابة عنها وتخصيص برامج تلفزيونية عنها، خاصة قد قربت الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان 1923. ففي هذه المناسبة يحاول الکورد إلقاء الضوء على قضاياهم وحقوقهم المشروعة، ولتعزيز الوعي بالمعاهدة وتأثيرها على الشعب الكوردي على مدى العقود الماضية. وهناک خشية من سوء فهم کبير عند سماع الناشطين الکورد يتحدثون عن المعاهدة. ولذلک قد لا يستفاد من الترکيز الاعلامي على المعاهدة بدون القيام ببعض الخطوات التي تهدف الى اقامة دولة (او دول) کوردستانية في الشرق الاوسط. في هذا الجزء اسلط الضوء على الجانب الفکري من خلال طرح بعض الاسئلة:
أ/ هل کانت معاهدة لوزان 1923 بين دولة ترکيا ودول الحلفاء؟ الجواب کلا ونعم. كلا، لان الـمعاهدة نتجت عن خسارة الدولة العثمانية للحرب العالمية الأولى (1914-1918)، اي قبل تکوين الدولة الترکية الحديثة. نعم، لان من نتائج المعاهدة الاعتراف بانشاء دولة ترکية حديثة ضمن حدود دولية تم الاتفاق عليها من قبل الطرفين؛ کنتيجة تکون ترکيا ملتزمة بها کطرف اساسي موقع على المعاهدة.
ان خسارة الدولة العثمانية الحرب العالمية يعني ان تدفع الحکومة والشعب (تركا وعربا وكوردا وغيرهم) ثمن الخسارة. نتيجة لذلك، فُرضت على الدولة العثمانية (حکومة وشعبا) عقوبات عديدة، بما في ذلك سلب الأراضي وفرض غرامات مالية والتدخل في الشؤون الداخلية. لکن عندما اعترفت الدولة العثمانية (التي اصبحت الجمهورية الترکية) بحدودها الجنوبية عفي عن تلک الشعوب (التي اصبحت تدعى بالدول العربية) الغرامات والعقوبات.
استطاعت دول الحلفاء ان تحتل الدول الحديثة بمساعدة العرب وذلک بنشر فکرة ” تحرير شعوب المنطقة” بدون تفسير کلمة “التحرير” فکما معلوم لم تستطع الدول الحديثة “المحررة” ان تستقل بعد مائة عام من معاهدة لوزان 1923. فقد استطاعت دول الحلفاء (ومن حل محلهم بعد الحرب العالمية الثانية) ان يهيؤا اجيالا جدد من الضباط والمتعلمين والاعلاميين بالفکر القومي والاستشراقي للحفاظ على مصالحها وذلک بالسيطرة على شعوبهم حتى الوقت الحاضر.
بالنسبة للکورد فقد کان حالهم حال العرب خلال القرون التي سبقت معاهدة لوزان 1923 فقد حکموا من قبل الدولة العثمانية مع فارق بان في البلاد العربية ولايات کبيرة ومراکز حضارية عديدة (کدمشق، بغداد، القاهرة، الخ.) وفيها المقدسات الاسلامية (القدس، مکة المکرمة، والمدينة المنورة). عندما انشأت الدول العربية، اخذ بنظر الاعتبار العوامل المذکورة. اما المدن والعشائر الکوردية في الدولة العثمانية فقد کان مصيرهم فئتين: فئة کبيرة والتي شارکت في حرب استقلال ترکيا بعد الحرب العالمية الاولى فهؤلاء ظلوا داخل الحدود الترکية الحديثة. اما الفئة الاقل عددا فقد تم توزيعهم ضمن الدولتين الحديثتن العراق وسوريا.
نظرا لان المعاهدة کانت بين دول الحلفاء المنتصرة ودولة ترکيا الخاسرة، فلم يکن هناک دور للشعوب ومن ضمنها العرب والکورد.
ب/ ماذا يجب أن يفعل الکورد فيما يتعلق بمعاهدة لوزان عام 1923؟ سؤال يجب الاجابة عنه من قبل الناشطين والمهتمين بها. في رأي لا يمکن فعل شيء ملموس على ارض الواقع متعلق بالمعاهدة، وذلک للاسباب التالية:
1 / لا يوجد تمثيل موحد للکورد العثمانيين في الوقت الحاضر. فقد اتفقت الأحزاب الکوردية التي أنشأت بعد الحرب العالمية الثانية، قبول التقسيم الجغرافي لبلاد الکورد والتعامل على هذا الأساس ضمن الدولة الناشطة فيها. لذلک لا تملک جهة حزبية او ايدولوجية الشرعية لتمثيل الکورد في المحافل الدولية، حتى اذا سمح لها بذلک. وهذا ليس جديدا فکما ذكرت الوثائق البريطانية، عندما أعلن شريف باشا نفسه ممثلًا للأكراد بعد الحرب العالمية الأولى، رفض زعماء العشائر الأكراد تمثيله لهم، ولذلك قررت بريطانيا التعامل مباشرة مع العشائر. ولم تتغير الحالة في الوقت الحاضر، حيث أصبحت الأحزاب السياسية هي النموذج العصري للعشائر االکوردية.
کان على الأحزاب الکوردية أن تتعلم من جبهة التحرير الفلسطينية التي ضمت عدة فصائل فلسطينية، ونجحت في تمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية عندما حصلت على دعم الدول العربية وغيرها. ومن إنجازاتها الحصول على الاعتراف الرسمي من الأمم المتحدة كدولة فلسطينية غير عضو في عام 2012.
2 / نظرا لتوقيع المعاهدة من قبل عديد من الدول واعترافها بحدود جديدة للدول في أوروبا وآسيا وأفريقيا و لانها الأساس القانوني لتشکيلها فليس من صالحها ( ولا تسمح بذلک) تغيير حدودها. لم يتم تحديد مدة انتهاء صلاحية المعاهدة في نص المعاهدة ذاتها، لذلک فهي مستمرة الى ان يتم نقضها من قبل احدى الطرفين: دول الحلفاء او الدولة الترکية.
3/ يمکن لترکيا نقض المعاهدة في الجزء المتعلق بالحدود وذلک بضمن العراق أو جزءًا منه أو سوريا أو جزءًا منها. اذا قامت ترکيا بذلک، السؤال هل ذلک يكون لصالح الکورد ام لا؟ في رأي هو لصالحهم لسببين رئيسيين: ستمكن الکورد في تركيا والعراق وسوريا من التوحيد تحت راية دولة واحدة بدلا من ثلاثة دول ستعطي دول الحلفاء الحق في مراجعة الحدود الجنوبية لتركيا واتخاذ قرار جديد بشأنها قد ينتج ذلک تشكيل دولة كوردية أو عدة دول كوردية في المنطقة. اذا ليس لصالح ترکيا نقض المعاهدة في الوقت الحاضر لان ذلک سيکون تهديدا ديموغرافيا لها وتعطي القوى العالمية فرصة لوأد طموحاتها العسكرية والاقتصادية.
ث/ هل يستطيع الکورد المطالبة بمعاهدة تشبه معاهدة سيڤر؟ الجواب کلا وذلک لان في المادة رقم (100) من معاهدة لوزان 1923، تمت إعادة ذكر التزام تركيا بالمعاهدات السابقة التي تم توقيعها من قبل الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر وحتى عام 1919.
تم إلغاء معاهدة سيفر التي تم توقيعها في عام 1920 ولم يتم تصديقها. واعتُبِرَت معاهدة لوزان التسوية النهائية التي أقرت جمهورية تركيا كدولة مستقلة وذات سيادة، واعترفت بها الدول الموقعة على المعاهدة وتم تصديقها من قبل عصبة الأمم. من خلال هذه المعاهدة، استطاعت حكومة تركيا استعادة الأجزاء الكبيرة من أراضي الدولة العثمانية التي كان من المفترض أن تُعطى للأرمن والكورد في معاهدة سيفر حيث انسحبت اليونان من الاراضي التي احتلتها اثناء الحرب العالمية الاولى.
رابعا، ماذا يجب ان تکون اولويات الناشطين الکورد في تقرير مستقبل الکورد في الشرق الاوسط؟
على الناشطين الکورد تحديد اهداف الاستراتيجية ووضع اولويات لها وابتکار طرق عصرية لتحقيقها ابتدأ من الوقت الحاضر، من ضمن تڵک الاستراتيجيات :
أ/ تثبيت الحدود الطبيعية للکورد في إيران وتركيا وسوريا والعراق. فکما معلوم استخدام کلمة “کوردستان” لم تعني عند الدولة العثمانية “وحدة إدارية” بل هو مصطلح اشير اليه للتعويض عن مصطلح “بلاد الکورد” او “سکان الجبال” من قبل العرب. باختصار هو مصطلح اثنو-جغرافي ( Ethnogeographic) ويعني بان هؤلاء السکان لهم مشترکات لغوية او قومية تميزيهم عن محيطهم. لذڵک تعامل الناشطون الکورد مع هذا المصطلح بشکل عاطفي او ايدولوجي خطأ کبير دفع ثمنه الکورد خلال القرن الماضي.
الحقيقة هي ان الولايات العثمانية ذات اغلبية کوردية لم تکن لها علاقة اقتصادية او ثقافية او امنية مشترکة. بل کانت العلاقة بين تلک الولايات ذا اغلبية کوردية ضعيفة مقارنة مع العلاقة مع مرکز الحکم. لم يخفى ذلک عن الدبلوماسي البريطاني (ريج-1820) لذلک استخدم ثلاثة تسميات: کوردستان-بەبە (المقصود هو سنجق السليمانية)، کوردستان-فارس، وکوردستان العثمانية. والأخيرة تضم سناجق عديدة ذا اغلبية کوردية. لم يتم تغير ذلک الواقع اثنو-جغرافي بعد تشکيل الدول الحديثة الى الوقت الحاضر، عدا في العڕاق. لذلک يجب تثبيت الحدود بشکل قانوني وواقعي بعيدا عن الأوهام والايدولوجيات. على الناشطنين الکورد معرفة حقيقة أخرى وهي ان تثبيت الحدود الخارجية کانت او داخلية لا يتم الا من خلال الحرب او الاتفاق.
کان أول جزء من معاهدة لوزان 1923 هو تثبيت الحدود بين ترکيا وسوريا والعراق بالإضافة الى دول أخرى لاهميته الکبيرة. هذا امر منطقي بحکم ان عدم تحديد الحدود تضع الحلول السياسية خيالية غير قابلة للتنفيذ.
كان رسم الحدود من قبل دول الحلفاء لأجزاء الدولة العثمانية بناء على قرار دول الحلفاء المنتصرة في الحرب لتحقيق مصالحها. أعطيت تلک الدول (ترکيا، سوريا والعراق) قدسية لحدودها الخارجية والداخلية. قد يکون الحفاظ على الحدود الخارجية مبررا بحکم انها نتيجة لمعاهدات دولية عديدة ولکن ماذا يمنع من رسم الدول ک ايران، ترکيا، العراق، وسوريا رسم حدود داخلية تقر لسکانها حقوقهم المدنية والثقافية والاجتماعية؟ قد يکون ذلک خوف تلک الدول ان تکون عملية رسم الحدود الداخلية خطوة اولى “للانفصال” من الدولة. لهذا الخوف مبرره نظرا لاستخدام القوى الکوردية السلاح والتحالف مع قوى خارجية ضد الدولة التي يحملون جنسيتها.
ان خلط مواضيع عديدة للکورد (الحرية السياسية، تشکلي الإداري، التعامل مع القوى الخارجية) أدى الى فشل کل المشاريع الوطنية الکوردية من جهة؛ ومحاربة الدول لکل المواضيع تحت مبرر “انفصال” اخفقت جميع الحلول الإصلاحية للکورد. لذلک اقترح تحديد حدود اقليـم کوردستان داخل الدول المذکورة مع الاخذ بنظر الاعتبار تجربة کوردستان العراق.
نجحت الحركة الكردية في العراق عام 1961 في الحصول على الاعتراف بإقليم كوردستان (على الرغم من صغره) من الدولة العراقية عام 1970. ولكن لا تزال مشكلة حدود إقليم كوردستان العراق قائمة حتى الآن، علمًا بأن الأحزاب الكوردية تحكم اجزاء کبيرة منذ عام 1991. کان على قادة اقليـم کوردستان-العراق الحفاظ على الحدود التي کانت تحت سيطرتهم منذ عام (2003) والتفاوض المباشر مع الحکومة العراقية على صيغ مرنة للتعامل مع المناطق “المتنازع عليها”. لکن ضاعت تلک الفرصة ومن الصعب العودة اليها.
يسيطر کورد سوريا على بعض مدن شرقي الفرات منذ (2011) واضافة المزيد من الاراضي اليها منذ ھام (2015)، لکن للأسف لم تستطيع التفاوض مع الحكومة السورية للاعتراف بحدودها.
على القوى الکوردية السورية التنازل عن بعض صلاحياتها الإدارية والامنية لصالح الدولة السورية مقابل ذلک الاعتراف الحدودي. وان عدم القيام بذلک سيلغي کل الإنجازات التي حصل عليها کورد-سوريا ويعود بهم الى قبل عام (2011).
أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة في ترکيا تأييد سکان عديد من المحافظات الکوردية في جنوب غرب ترکيا للأحزاب الکوردية وبذلک دخل عدد کبير من الکورد کأعضاء في البرلمان الترکي، لذلک اقترح تثبيت حدود تلک المنطقة ومطالبة الحکومة الترکية الاعتراف بها کفيدرالية.
باختصار: ان قيام (متطرفين الکورد) بالدعاية الى “کوردستان الکبرى” عملية أضرت بالکورد وشعوب الشرق الاوسط ولا استبعد ان يکون ورائها دول معادية للمنطقة. لذلک على الناشطين الکورد التعامل مع رسم الحدود الداخلية بداخل الدول المتواجدين فيها بحذر وحکمة، والابتعاد عن القوى المعادية لشعوب المنطقة.
ب/ العمل على نشر الحقائق: قد يثير استغراب القارئ أن أقول إن الکورد بشكل عام هم ضحايا قلة المعرفة ونشر أفكار متطرفة مبنية على الكذب والتضليل القومي لدول الذين اصبحوا رعاياها بعد معاهدة لوزان 1923؛ والکذب والتضليل المضاد الذي نشره قوميوا الکورد. ويشمل التضليڵ ذلك كل جوانب التاريخ واللغة والجغرافيا والدين والاقتصاد والحياة الاجتماعية والعلاقات مع الشعوب المجاورة.
قال محمد أمين زكي، المؤرخ، هذا الكلام في الربع الأول من القرن العشرين؛ وفلك الدين كاكائي، الكاتب والمثقف في الربع الأخير من القرن. أي استمرار التضليل الفکري للکورد لمائة سنة.