الكاتب.. عادل باكوان
بين عامي 2003، عام حرب العراق، و2022، ارتفع عدد السكان بشكل كبير، من 24 إلى 42 مليون نسمة، أي بزيادة قدرها 18 مليون نسمة. وبحسب تقديرات وزارة التخطيط العراقية، من المتوقع أن يصل عدد السكان إلى 50 مليون نسمة في عام 2030، بعد سبع سنوات من الآن، وأن يصل إلى 80 مليون نسمة في عام 2050، بزيادة قدرها 56 مليون نسمة عن عام 2031.
وهذا النمو الديمغرافي الكبير، الذي تمت دراسته في مقال بحثي للمركز الفرنسي لأبحاث العراق، سيكون له حتماً تداعيات على جميع المستويات في العراق. وللأسف، حتى الآن لا يمكن إنكار أن الحكومات المختلفة التي تعاقبت على بعضها البعض منذ عام 2003 لم تضع استراتيجية أو برنامج أو خطة تهدف إلى السيطرة على الخصوبة العراقية، وهي 3,65 طفل لكل امرأة، وهو رقم أعلى بكثير من معدل الخصوبة في العراق. دول أخرى في المنطقة، مثل الكويت (2,24)، المملكة العربية السعودية (1,92)، قطر (1,90)، البحرين (1,67) أو الإمارات العربية المتحدة (1,64).
ومن غير المرجح أن تتطور الممارسات الحالية بشكل عفوي دون عملية تثقيفية وقانونية وتعبئة، تهدف إلى رفع مستوى الوعي بخطورة الوضع. على سبيل المثال، فإن الأمل في وجود جيل جديد يدرك العواقب الوخيمة لارتفاع معدل الخصوبة يذهب سدى، لأن هذا المعدل يتزايد بشكل كبير بين الشابات تحت سن 30 عاما في العراق الجديد. علاوة على ذلك، فإن فكرة أن التحضر من شأنه أن يقلل معدل المواليد هي أيضًا فكرة خاطئة، لأن النساء اللاتي يعشن في المناطق الحضرية ينجبن عددًا أقل من الأطفال بالكاد مقارنة بأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية (3,6 مقابل 3,8، أي بفارق بالكاد 5٪).وفي السياق الحالي، حيث احتياطيات النفط في طريقها إلى النضوب، وحيث تعاني البلاد من ويلات ظاهرة الاحتباس الحراري وحيث تتدهور الزراعة بشكل كامل، ليس أمام الحكومة العراقية المسؤولة والجادة خيار آخر سوى العمل بشكل عاجل على عدة قضايا.. ويجب عليها وضع برامج تثقيفية وتوعوية حول العواقب الوخيمة لارتفاع معدلات الخصوبة، مع التركيز على وسائل منع الحمل. وعلى الرغم من أن برامج التنشئة الاجتماعية القائمة على المعتقدات الدينية أو الثقافية يمكن أن تشكل عقبة كبيرة، إلا أن الحكومة ليس لديها بديل آخر لأن الخيارات محدودة للغاية. ويواجه العراقيون خياراً حاسماً: فإما الاستمرار على المسار الحالي حتى الانزلاق الحتمي إلى الجحيم، أو التحرك الآن لخفض معدل الخصوبة بشكل جذري.
وهنالك مجال آخر مهم يجب مراعاته وهو الاقتصاد. ووفقاً لتقرير مفصل لصندوق النقد الدولي، فإن 87% من النساء العراقيات لا يشكلن جزءاً من القوى العاملة. ومع ذلك، ينبغي التأكيد على أن الإدماج النشط للمرأة في اقتصاد البلاد يمكن أن يلعب دورا هاما في خفض معدل الخصوبة. فالمرأة التي تمارس نشاطا مهنيا، وتخصص حوالي سبع ساعات يوميا للعمل، والتي تشارك في إدارة علاقات القوة والإنتاج، سيكون لديها إمكانيات أكبر للتفكير في خصوبتها مقارنة بربة منزل لا تمارس نشاطا مهنيا.وأخيراً، فإن مختلف مكونات المجتمع العراقي، وأبرزها الشيعة والأكراد والسنة، تتقاسم أيضاً مسؤولية كبيرة، إذ أبرزت المقابلات الميدانية وجود علاقة ديناميكية بين الصراع من أجل الهيمنة وزيادة معدل الخصوبة. ففي المناطق الشيعية الجنوبية، تعد الخصوبة مرتفعة للغاية (4,12 في عام 2018)، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى برامج التنشئة الاجتماعية التي طورتها الأحزاب السياسية وتنظيمات الميليشيات والزعماء الدينيين، والتي تشجع الخصوبة المرتفعة وتستخدم كسلاح ضد الأكراد (2,98) أو ضد أهل السنة (2,91). وفي مواجهة هذه الحقائق، من الضروري أن تقوم النخب الشيعية بمراجعة نهجها الحالي بشكل مكثف وصارم ومسؤول، لأن إطعام هذا العدد الكبير من السكان الشيعة في بلد مهدد بالتصحر سيصبح قريباً تحدياً لا يمكن التغلب عليه!
نقلا عن صحيفة المدة