رواية “الخادمة” للكاتبة گەلاوێژ صالح فتّاح، ترجمة الشاعر والباحث الكردي جلال زنكابادي. وكدأبها في قصصها وروايتها السابقة تسعى گەلاوێژ إلى تناول حُزمة من الموضوعات والأفكار الأساسية التي تعالجها ضمن السياقات السردية لهذا العمل الأدبي أو ذاك، آخذين بنظر الاعتبار أنها ترصد هذه الظواهر، سواء أكانت سلبية أم إيجابية، أم محايدة، وتحلِّلها بعين نقدية ثاقبة قد يغلب عليها الطابع الاجتماعي والنفسي، كما هو الحال في هذه “النوفيلا”، إضافة إلى تقنياتها المتنوِّعة ورؤاها الفكرية الأخرى التي قد تختلف من نصٍ إلى آخر.

قد يبدو عنوان هذه الرواية مُربِكاً بعض الشيء، فثمة أكثر من خادمة تتحرّك على مدار النص السردي مثل “كُلة”، “شكريّة”، “زيريرن” وحتى “فيروز” التي ستصبح خادمة لأسرة الضابط، ووعاء لتفريغ شهواته الإيروسية الجامحة، ولكن ما أن يمضي المتلقي في قراءة النص حتى يكتشف أن “شكرية” هي الخادمة التي تعنيها كاتبة النص ومبدعته كلاويز. فهي التي تلعب الدور الرئيسي في صناعة الأحداث المهمة مثل إنقاذ فيروز التي تعرضت للابتزاز والاغتصاب على مدى أيام طويلة بينما كان بعلها الديّوث يقوِّد عليها ويتاجر بشرفها هنا وهناك. كما أنّ شكرية هي التي تحنو على الطفلة “كُلة” وتعاملها معاملة إنسانية راقية، وتمنحتها سانحة الحظ لأن تمارس طفولتها في بيت السيد عثمان آغا الذي لا يخلو من قمع ومعاملة سيئة لها من قِبَل الأم ومعظم أفراد الأسرة.

تضع گەلاوێژ ثلاثة أجيال في مختبرها السردي حيث يتمثّل الجيل الأول بالجد ميرزا أحمد، والجدة لطفية خان، والعمّة شيخزادة، بينما يتمثل الجيل الثاني بالأب عثمان ميرزا أحمد وزوجته مليحة خان، أما الجيل الثالث والأخير فهو جيل الأبناء الخمسة بختيار، باشا، جرا خان، جيمن خان وآسو.
ومن خلال هذه الأجيال الثلاثة يمكن للقارئ أن يتعرّف على الشخصيات الأخر التي تنتمي إلى كل جيل على من الأجيال الثلاثة على انفراد. ومما لا شك فيه أن القارئ يشعر بالتغييرات الاجتماعية التي تطرأ على هذه الأجيال. فإذا كان الجيل الأول متشبثاً بالعادات والتقاليد الاجتماعية، فإن هذا التشبث ستقل وطأته حتماً في الجيل الثاني، ويتضاءل أكثر في الجيل الثالث بما ينسجم مع القيم والأعراف الجديدة التي يفرزها الحراك الاجتماعي الناجم عن التقدّم والحياة المدنية المتطورة. وربما تكون شخصية شيخزادة، شقيقة ميرزا أحمد، هي الأنموذج التقليدي الذي يحيل مباشرة إلى هذا الجيل لأكثر من سبب، فهي قروية جداً ومتديّنة من جهة، كما أنها موغلة في تقليديتها من جهة أخرى، وخصوصاً فيما يتعلق بملابسها الفوكلورية القديمة، ولعل أغرب ما فيها شَدَّة رأسها الكبيرة جداً التي تثير سخرية الناس، وتفتح شهيتهم للتعليق والتندّر.

هذا إضافة إلى المِسْبحات العديدة الملونة التي تطوِّق عنقها، والحُلي الفضيّة المُوزَّعة على جيدها ومعصميها وأصابعها. لم تقم شيخزادة بأي عمل من أعمال السحر والشعوذة، لكنها كانت تعتبر أدعيتها وقراءة بعض الآيات القرآنية على رؤوس النساء المرضى أو اللواتي لا ينجبن الذكور هي رغبة صادقة لفعل الخير للناس الآخرين.
تحيل شخصية مليحة خان وزوجها المهندس عثمان آغا إلى الطبقة الاجتماعية المتوسطة العليا التي يتمثل فيها الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي. ومن خلال “القبول”، وهي الزيارات الاجتماعية التي تتبادلها هذه العوائل، ميسورة الحال، بالتناوب، نتعرف على شرائح محددة من هذه الطبقة الاجتماعية فهناك عائلة الوزير، والمهندس، والطبيب، والضابط، والمدير المالي وما إلى ذلك حيث تبرز إلى السطح العلاقات الاجتماعية القائمة على أساس المصلحة، فحينما تعرِض مليحة خان ملابسها الكردية المزركشة، بعد أن تخبئ الثمينة منها، على أم باسل زوجة الوزير فإنما هي تريد التأثير عليه لكي يستجيب لزوجها، مهندس الاشغال، عثمان آغا، أي أن رشوة زوجة الوزير ليس حُباً بها، وإنما محاولة للاستفادة من زوجها، وترويضه لتحقيق مآربهم الشخصية. لقد كشف بعض جلسات “القبول” مساوئ هذه الطبقة الاجتماعية، وكان التركيز فيها على الجوانب السلبية مثل “الإثراء السريع، والاختلاس، وسرقة المال العام، والاتجار بالسلاح والمخدّرات، والخيانة الزوجية، والرياء، والتزلّف الاجتماعي” وسواها من الظواهر السلبية التي تفزرها هذه الطبقة الاجتماعية.


