تقرير المهندس الإستشاري:- حيدر عبد الجبار البطاط
التلوث البلاستيكي هو إحد أكبر القضايا البيئية إلحاحاً في عصرنا.
ومن أجل مكافحته يجب التوصل إلى معاهدة عالمية طموحة وملزمة قانوناً، تحدّ من إنتاجه في المقام الأول، وتنهي عصر البلاستيك.
يمثّل البلاستيك مشكلة تلوّث هائلة، حيث تحاصر مخلّفاته الحياة البرية، وتقتل ملايين الكائنات البحرية التي تبتلع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة.
نظرا للمخاطر التي تسببها النفايات البلاستيكية، وتأثيراتها السلبية على صحة الإنسان والبيئة، دفع العديد من الدول إلي البحث عن أفضل الطرق للتخلص من النفايات البلاستيكية، لإبعاد أخطارها عن الأشخاص الطبيعيين والكائنات الحية والمجتمع والبيئة بصفة عامة .
يرى الخبراء أنه يجب إقفال مصدر التلوث باتباع استراتيجية للوقاية من النفايات تتمثل في خفض نسبة القمامة البلاستيكية بشكل كبير جدا.
اذ يجب العمل على إعادة تدوير أكياس البلاستيك اللينة التي تستخدم في الأسواق التجارية وتملأ شوارع ومصبات القمامة، كما أن مبادرة فرز القمامة في كيسين منفصلين، أولهما للقمامة العضوية والثاني للأشياء التي يمكن إعادة تدويرها مثل البلاستيك والورق المقوى، تبقى المبادرة الأكثر رفقا بالصحة والبيئة وبالطيور والكائنات البحرية.
كما يتفق العلماء أن أفضل الطرق لمعالجة أزمة النفايات المتكدسة هي التقليل من صناعة البلاستيك إضافة إلى محاولة تصنيع مواد تحل محل الأكياس البلاستيكية ولكنها صديقة للبيئة بحيث يتم إعادة استعمالها أو أنها تتحلل بسرعة حتى إذا تم التخلص منها.
والأسوأ من كل ما ذكر آنفاً هو أن اقتصاد البلاستيك الحالي يساهم بشكل كبير في تأجيج أزمة المناخ.
فجميع المنتجات البلاستيكية مشتقة في المقام الأول من البتروكيماويات، وهي منتجات النفط الخام.
ولذلك، فإن قطاع السلع الاستهلاكية يتماشى بشكلٍ متزايد مع حليف تاريخي مضرّ للغاية ويعدّ المحرّك الرئيسي لأزمة المناخ العالمية – أي صناعة الوقود الأحفوري.
تهدّد انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن دورة حياة البلاستيك قدرة المجتمع العالمي على الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية تحت عتبة 1.5 درجة مئوية، فوق مستويات ما قبل الصناعة.
أكثر من 90% من المنتجات البلاستيكية مصنوعة من الوقود الأحفوري، ويرى الخبراء أنه بحلول عام 2050، يمكن أن تشكّل انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن البلاستيك ما يصل إلى 10-13% من إجمالي ميزانية الكربون المتبقية.
وإذا استمر الإفراط في إنتاج واستهلاك البلاستيك من دون انقطاع، فقد يمثل 20% من إجمالي استهلاك النفط العالمي بحلول منتصف القرن الحالي.
ما هي المعاهدة العالمية بشأن البلاستيك؟ هي فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل، وصكٌّ ملزم قانوناً يهدف إلى إنهاء أزمة التلوّث البلاستيكي.
ومن أجل تسريع إبرامها، ندعو الحكومات إلى الالتزام بمعاهدة عالمية قوية من شأنها أن تحد من إنتاج البلاستيك وأن تقودنا بسرعة بعيداً عن التغليف البلاستيكي الذي لا معنى له، وأن تدعم كذلك تطبيق أنظمة إعادة التعبئة والاستخدام على المستوى العالمي.
نتحدث هنا عن حاجة ماسة إلى معاهدة تتناول دورة حياة البلاستيك بأكملها، أي من اللحظة التي يتم فيها استخراج النفط أو الغاز المستخدم لإنتاج البلاستيك من باطن الأرض، إلى أن يحين موعد حرقه في المحارق أو تراكمه مخلّفاته في مكبات النفايات وفي غاباتنا ومحيطاتنا وأنهارنا، مع التركيز على التخلّص التدريجي من إنتاج البلاستيك، وإلا فإن الآثار المدمرة للبلاستيك على تغيّر المناخ والبيئة وصحة الإنسان لن تتم معالجتها أبداً.
وتشكّل النفايات البلاستيكية مشكلة كبيرة بنفس القدر التي تؤثّر فيه على أعالي البحار، حيث تملأ مواقع مطامر النفايات، وتعوق مجاري الأنهار، فضلاً عن توليد انبعاثات غازات الدفيئة عند حرقها في الهواء الطلق أو ترميدها. كذلك، تنبعث من بعض المنتجات البلاستيكية مواد كيميائية على درجة عالية من الخطورة، ممّا يشكل المزيد من المخاطر على سلامة الحياة البرية وصحة الناس.
يعتقد البعض أن اكثر النفايات موجودة على اليابسة، ولكن الواقع والدراسات والبحوث تفيد بأن كميّة كبيرة جدا من النفايات البلاستيكية ينتهي بها الأمر إلى مياه البحر والمحيطات، فآلاف الأطنان من بقايا الزجاجات والحقائب والأغلفة والأكياس تستقر في بطون الأسماك والطيور والسلاحف والحيتان.
البقايا البلاستيكية الظاهرة على السطح جزءاً من هذه النفايات، فالأدهى والأمر هو الجزيئات البلاستيكية متناهية الصغر التي تغوص في القاع وتأكلها الأسماك وغيرها من حيوانات الحياة البحرية وينتهي بها الحال إلى أطباقنا اليومية.
وعليه بات يشكّل تلوّث البحار بالمواد البلاستيكيّة تهديداً مباشراً على توازن كل من الأنظمة البيئيّة البحريّة من جهة، وصحّة الإنسان من جهة أخرى.
ولمادة البلاستيك تأثيرات سلبيّة على التنوع البيولوجي سواء على نحو مباشر أو غير مباشر، فعندما تدخل المواد البلاستيكيّة إلى السلسلة الغذائيّة عن طريق الجسيمات الدقيقة دون أن تلفت الانتباه، فإنّ هذه المسألة البيئيّة تتحوّل إلى تحدّ كبير لصحة الإنسان ورفاهيته.
ولذا فإن المحافظة على سلامة المحيطات تساهم في المحافظة على رفاهيّة الإنسان أيضاً.