حاتم خاني
كاتب من كردستان العراق/ دهوك
يستيقظ شاعرنا في الصباح الباكر حيث تتوق نفسه للكتابة ويبدأ قلمه
يسطر من فياض الرحلات صباحات،
وهو لا ينسى ان كتاباته ان هي الا
للمحات عمرٍ راحل
فلا يمكن ايقاف العمر ولا ايقاف الزمن لذا فانه يحاول ان يتلذذ برائحة حبيبته
وعطرٌ يسيل لذكرى تهزُّ هيجانهُ
ليتمكن من الكتابة
على أمواج الفجر..
وتستعجل يداه ترسم افكاره قبل النسيان
حين تستجيش راحات يديه
فيكون الرسم على ثوب حبيبته الشفاف الذي يتهدل امام عينيه بين السماء العالية
وسجادة غرفته حيث يفترشها هذا الثوب
يرسم سماء سامقة ..
يهزُ ثوبها فراشاً على سجادة..
ولن تنسيه رسوماته وكتاباته عن احزانه كلما استيقظ في الصباح فهو يفتش عن عتبات البكاء التي يطل عليها
توقظُ أحزانهُ ريحاً ،تفتش عن عتبات التباكي
فالغربة بالنسبة له اصبحت كمن يلعق السكين بلسانه
شاعرٌ.. يلعقُ الغربة بين سجوف الدنيا
فبعد ان وصف الشاعر لنا صباحه والاجواء التي تحيط به حيث تاقت نفسه وحاول ان يستمتع ببعض الاجواء الرومانسية عادت خلجات نفسه لتصارع غربته ووحدته فتحولت اناته الى الام ووجع
تفترش الارض قصائد وجعٍ..
وامتلأت قلب الارض بالشجون وافترشت كل طرقه التي يسلكها في مخيلته بصور الضحايا والجثث وهو يرى ما يحدث حولنا فايقظه صراع الانسان مع الظلم من غفوته ورومانسيته ليتذكر
والتاريخ.. أرض تجردت من الالوان والانسانية
في أرض يباب ،
وقتها توقظ اشراقة الانسان في صراع
مع الظلم والقضبان..
مع انه لا يريد ان يفقد الامل بالانسان رغم المآسي التي تنتشر في هذه الارض البور , فهو شاعر ولا يمكن للشاعر ان ينسى انسانيته
رغم صور الحياة الممزقة والسهام
وتراتيل الليل الحزينة
وبعد ان انساه صراع الانسان مع اخيه الانسان في هذا العالم المتوحش تلك الحبيبة التي ايقظت شجونه وايقظته في فجره العتيق , ينتقل الشاعر الى وطنه حيث هو وجعه الازلي وهمه الابدي ليصفنا ونحن نكابد هموم الحياة
وأنت تلهثُ وراء كسرة خبز..
وراء لتر وقود..
ليبين لنا ان تغنينا بماضينا وانتصارات اسلافنا هو الزيف الذي أعمى بصيرتنا وابقانا متكئين على ذلك الماضي .
إرمِ أنتصارات أجدادك المزيفة ،
وإياك أن تتكئ على ذراع التاريخ
وحضارة آلاف الاعوام ..
وهو محق في ذلك فلن تقودنا اغنيات المجد التي تترنم في اذهاننا الا الى الالتحاق بالشعوب المنسية المتخلفة التي تقبع في الاراضي الصامتة
يحدثانك عن زيف أغنيتك الخالدة ،
وأنت تُلوِّحُ بتلويحة وداعٍ أخيرة
صوب قارات الصمت الدافئ!!
بعدها يأخذنا الشاعر الى موطنه الجديد الذي هاجر اليه حيث شعر هناك بحب الحياة من جديد لانه ابتعد عن ارضه التي قبض عليها عدو شعبه
هنا ..
في قارات الدنيا إخضرت فينا الحياة
خلف ستائر ليل الغربة،
بعيداً عن الارتزاق وكلبنة الحياة
ومقبض السكين،
عن شهوات العدو لأنهار الدموع
وعبث العمر..
وشتائمه فاقت الصراخ والتوقعات !!
فقد كان يعيش في ارذل عمره بين اعداء وطنه المتعطشين الى دموع الثكالى من الامهات حيث لم تكن تخرج من مسامعه تلك الشتائم التي تعود العدو على اطلاقها
في تلك البلاد التي هاجر اليها شاعرنا , رأى فيها حريته والارض التي تلهمه كل فجر حيث يكتب فيها كلماته الشعرية ويشعر انها اصبحت قبلته وقد انتشى بها لحد الاغماء , كيف لا ؟ وهو حر كالطير ينطلق منها الى كل اصقاع الارض ويجوب طرقات الدنيا لينثر فيها عطره وعطر مملكته القديمة .
على أمواج الفجر وعلى ثغرك ..
رأيتُ فيهما سمائي ووحدتي،
وحريتي في ظل قبلةٍ لا مثيل لها في الأسفار
وأغاني الغجر ،
قبلة ..إلهامٌ للشعر وسلامٌ لخيمة الكلمات
في طرقات الترحال والعبور
صوب مملكة صمت العطر
قبلة لحد الاغماء!!
اربع مراحل تنقل فيها الشاعر في هذه القصيدة
شعوره بالوحدة والغربة وهو يستيقظ كل يوم
المرارة التي يشعر بها وهو يرى المظالم التي تعم هذا العالم
اليأس الذي بدأ ينتابه وهو يرى وطنه وناسه وقد اخذتهم النشوى بالامجاد واسكرتهم الذلة .
واخيرا سعادته بصواب قراره الهجرة الى البلاد التي يسكنها الان
لقد اعتدنا في معظم قصائد الشاعر ان نراه وهو يعبر لنا عن غربته الاليمة وحزنه العميق لوجوده بعيدا عن وطنه , اما في هذه القصيدة فالغربة قد ازدوجت لديه وزادت من معاناته بعد ما شعر بما ينتشر في ربوع بلاده . وقد نرى اتجاها جديدا في شعره القادم والما مضاعفا وحزنا اعمق .