ينفرد المواطنون العراقيون في اعيادهم الشعبية بعيد (زكريا) وهو احتفال بمناسبة عيد ميلاد النبي يحيى (ع) الذي يحتفل به النبي زكريا (ع) والاحتفال في أساسه كان عيد ديني للصابئة المندائية. حسب الموروث الشعبي
وانتشر الاحتفال بشكل كبير خلال فترة بداية الدولة العباسية حيث الازدهار والثقافة ، منذ تلك الفترة اصبح عيدا لكل العراقيين على مختلف دياناتهم ومذاهبهم وبشكل عام كان سكان المدن الكبيرة اكثر تمسكا بتلك المناسبة الشعبية وهذا العيد ليلة واحد وقد يمتد أسبوع حيث يبدأ في اول يوم احد من شهر شعبان وينتهي بعد أسبوع في ثاني يوم احد من شهر شعبان ومن هنا جاءت تسمية أسبوع (زكريا ) وفي التقاليد البغدادية من ينسى الاحتفال في اول يوم احد من شهر شعبان يحتفل في الاحد الثاني من شهر شعبان.
يعتبر عيد زكريا موسم فولكلوري تراثي اكثر منه معتقد ديني ، فليس كل العراقيين يحتفلون بعيد الزكريا والمحتفلين فقط من لديهم نذر والبقية يزورونهم ويشاركونهم في الاحتفال في الاكل والشرب والغناء ، فالنذور هي لكل من ليس لديه طفل ويريد ان يرزق بطفل حيث يقوم الزوجان بزيارة احدى العوائل التي لديها نذر و تعمل احتفال ( زكريا ) وبعد الاكل والشرب والمشاركة في الاحتفال وفي منتصف الحفل اوقبل النهاية وقبل مغادرتهم المكان يقومون بالنذر وطريقة النذر ان يقوم احد الزوجين بغرز ابره في احدى الشموع البيضاء المشتعلة ويطلب ان يرزق بطفل واذا ما رزق بطفل فانه يدخل في السنة القادمة المجموعة التي تحتفل (بالزكريا ) ويقوم بعمل احتفال سنوي في الموعد المحدد .
الاحتفال بالزكريا حسب الطريقة البغدادية يكون مع غروب الشمس وينتهي قبل منتصف الليل ومعظم الضيوف لا يستمرون في البقاء في الاحتفال الى نهايته بل ان معظمهم يتركون المكان في حدود الساعة العاشرة والاكلة الرئيسية في الاحتفال هي الدولمة ذات السبع طبقات وتبدأ بالبصل وبعده الباذنجان ثم القرع ثم الخيار ثم السلق او ورق العنب ثم الطماطم وتكون الحشوة من خليط من الرز واللحم المفروم والبصل والكرفس ونوع خاص من البهارات وقد يتم وضع بعض معجون الطماطم في الخلطة ولان سكان بغداد يأكلون الدولمة بطعم حامض بنسبة فوق المتوسط فان سكان جانب الرصافة في العادة يسقون الدولمة عصير النارنج الحامض في المرحلة الأخيرة من الطبخ واما جانب الكرخ فيستعملون النارنج الحامض او السماق الأقل حموضة والأكثر نكهة وتتفرد المرأة العراقية في طريقة حشو الدولمة وخصوصا البصل حيث يتم تفريغ البصلة الواحدة من محتوياتها وتحويلها الى عدة بصلات يتم حشوها وتوضع في اسفل القدر ويصبح طعمه فيه حلاوة قليلة وقد احترق جزء بسيط منه وأعطى نكهة نفاذة تغري بأكل المزيد
ويتضمن احتفال (زكريا ) او ( الزكريا ) كميات كبيرة من المكسرات حيث يبدأ الاحتفال بالمكسرات ويليه الدولمة ثم حلاوة الرز باللوز وماء الورد واي نوع من السلاطة وايام الستينات والسبعينات كانت توضع كميات من الحامض حلو والتوفي بأنواعه والتوفي هو ملبس واصله صناعة المانية ومازالت شركة توفي الألمانية تعرض نفس منتجاتها لغاية اليوم , واذا ما كانت هناك كليجة او كيك على الطاولة فيقدم الشاي ولا يحتاج المحتفلين بعد وجبة الدولمة لاي مشروب مهضم لان الجاجيك يفعل مفعوله فيهضم كل الاكل إضافة الى ان الغناء ورقص الأطفال والجو المرح والنكات تساهم في هضم كامل الوجبة.
وتستعمل الشموع البيضاء فقط في (الزكريا ) وتوضع في صواني حسب حجمها في الطاولة الرئيسية في البيت ولا تستعمل شموع كبيرة الحجم لان فترة الاحتفال يجب ان تنتهي قبل منتصف الليلة حيث تنتهي الشموع وعندما ينتهي الاحتفال يتشاءم اهل البيت من غسل صواني الشموع في نفس الليلة فيتركونها الى اليوم التالي حيث تنظف ويتم رمي بقايا الشموع و الابر التي استعملت في النذور وعندما كنا صغار كنا قبل النوم ننظر الى صينية الشموع برهبة ولا نلمس بقايا الشموع ولا نلمس الابر التي استعملت للنذور اعتقادا منا ان هناك قدسية لها ونكون فضوليين في اليوم التالي عندما يتم تنظيف الصواني لنرى اين سيتم رمي تلل الابر التي قضينا ليلتنا ونحن نعتقد بقدسيتها ولا يستعمل اهل بغداد الدبابس في النذور لأنها تجلب العداوة بيم الاهل حسب معتقداتهم الشعبية .
ومعظم الجدات يصومون في يوم (الزكريا) تبركا بالنبي يحيى والصيام هو صيام عن الاكل والشراب مثل صيام رمضان وفي بعض الحالات الخاصة يصوم الشخص الذي ينذر صوم السيدة مريم العذراء (ع) لإيفاء نذر ذو أهمية خاصة ويسمى الصوم الخرساوي ويكون في يوم الزكريا وقد يمتد ثلاثة أيام او أسبوع من يوم الاحد الى الاحد الذي يليه , والصيام الخرساوي عادة دارجة عند البغاددة منذ فترة انتعاش الفكر الصوفي في ذروة الازدهار الثقافي والعلمي خلال الدولة العباسية وهو صيام عن الكلام ومحاولة عدم السمع بقدر الإمكان ويبدا من طلوع الشمس حتى غروبها يتناول الصائم طعامه وشرابه الاعتيادي لكن لا يتكلم ويحاول ان لا يسمع شيء بالانعزال والتسبيح والصلاة في غرفة لوحده لغاية المساء حيث يتكلم .
الطفل الذي يولد من نذر الزكريا يطلق عليه بعض الأحيان اسم زكريا او يحيى او عيسى او أي اسم اخر قريب من النبي زكريا (ع) ويكون طفلا محظوظا ومبتسما متفائلا طول حياته في الغالب ولا احد يفسر تلك الظاهر هل بسبب النذر او لان اهله قد اعطوه الاهتمام الأكثر والغريب ان معظم مواليد نذور زكريا من الذكور والاغرب من ذلك ان تلك العائلة بعد الولد الاول ترزق بعدة أطفال وجميعهم من الذكور، والبغاددة يتذكرون تلك الحالات التي مرت في مواسم الزكريا السابقة ويعيدونها لذاكرتهم بخشوع ورهبة قبل أيام من يوم الزكريا ولكن لا يتكلمون في ذلك الموضوع مطلقا في يوم الاحتفال بالزكريا.
ان احتفال الزكريا كانت له رهبة لكل الاعمار وقد تكون من كثر تسبيح صائمي الزكريا او من كمية الشموع الهائلة التي تنير البيت في صواني كبيرة او قد تكون من الضيوف المتوقعين لان يوم الزكريا يعتبر يوم مفتوح للضيوف يشارك فيه الجميع في تذوق الطعام والحديث عن الفخاريات التي تملء المكان.
أعاد الله على جميع العراقيين أعياد الزكريا بالخير والبركة والنذور المقبولة ونشر بينهم التسامح والمحبة.