- د. ژینۆ عبدالله
بما أنَّ فصل الشتاء هو المدة المفضلة لدي للقراءة، أحاول أن اغتنم کل فرصة سانحة فیه والاستفادة منها للانطلاق في رحلة جدیدة للقراءة مع کتاب جدید موجود علی أحد رفوف مکتبتي قید الانتظار لیأتي علیه الدور لقراءته ذات یوم.
وهکذا کان الأمر في هذه الأيام الباردة حیث وقع عيناي على كتاب علمي قیم ورصين بعنوان (مافوقيّة النص- قراءت نقديّة مقارنة) من تألیف الأستاذین الفاضلين أ.د.ظاهر لطيف كريم وأ.د.نيان نوشيروان مستي. ويعد الکتاب كتابًا قيّمًا بحق، يستحق القراءة، وله فوائد عدیدة لاسيما لطلاب الدراسات العليا والأكاديميین والباحثين في مجال الأدب المقارن.
یمتاز المٶلفان اللذان لدی کل منهما سجل حافل بالنتاجات العلمیّة في البحث والکتابة والتألیف في مجالات النقد والأدب المقارن، بمحاولتهما للانتفاع من اللغة الانجليزية وتوظيفها في إثراء الأدب الكورديّ والعربيّ من حیث تعریف القراء -بمختلف مستویاتهم وخلفیاتهم الدّراسیّة والعلمیّة والفکریّة والثقافیّة واللُّغویّة- ببعض المصطلحات النقديّة خدمة لکلّ من لدیه الالمام بقراءة النتاجات المکتوبة بلغة الضاد کما هو متجسد في هذا الكتاب العلمي.
تكمن أهميّة الكتاب في فحواه الذي یبین مكانة الأدب الکورديّ وثقله، ويظهر ذلك جليًا من خلال التحليلات والنماذج الشعريّة. والكتاب غزير بالموضوعات الأدبيّة المتنوعة التي تشد القراء وتمدهم بالكثير بخصوص الأتكيت الشعريّ والتلون الإيقاعي وتذبذبيّة النص وجدليّة المتناقضات في الشعر الرومانسيّ وعنصر المفاجأة وسيميائيّة الأصوات وسرمديّة النّص وغيرها من الموضوعات.
الأدب المقارن وصراع القوميات
یعتقد الکاتبان، کما هو مصرح بە في مقدمة كتابهما، بأن الأدب المقارن هو صراع الحضارات والشعوب والثقافات المختلفة، وذلك إما في سبیل الهيمنة أو إبراز الهويّة القوميّة ومدى اختلافها عن هويّات الشعوب الأخرى، أو بغیة الإشارة إلی أنَّ المقارنة تعني المفارقات العقليّة والاجتماعيّة والفكريّة للآداب القوميّة المختلفة بغض النظر عن مواقعها الجغرافيّة أو الدينيّة. فعلي سبيل المثال، هناك تقارب مكانيّ أو دينيّ ما بين المجتمعين الكورديّ والعربيّ إلا أنَّ الأدب الكورديّ لدیه خصوصيّة اجتماعيّة ومعرفيّة ونصيّة معينة قد لا نجدها في الأدب العربي، والعكس صحيح أیضا. غیر أنَّ هذا لا يعني أنَّه لا یوجد تشابه ما بين الاثنين، سواء كان فعل التشابه ناتج عن فعل التأثير والتأثر، أو ردود أفعال بشريّة تجاه الموضوعات الإنسانيّة. علیه، فإنَّ هناك تأکید على أنَّ الأدب المقارن هو صراع القوميّات حول الثقافة الوطنيّة والاهتمام بجذور الأمة وروحها. وفي الوقت نفسه، فإن المقارنة تعمق الروابط بين الآداب القوميّة لكونها تسبر أغوار العلاقات الأدبيّة بين الآداب أو إنَّها تسعی للکشف عن التلاؤمات في ظل القرابة أو الدين أو الاستعمار. فضلا عن ذلك، فإنَّ المقارنة تقوم برأب الصدع وسد الفجوات الثقافيّة بین الشعوب التي هي أشد حاجة إلى المواد الثقافيّة مقارنة بشعوب توصف بأنَّ لدیها آداب کبری کما هو مبین أدناه.
الآداب الكبرى والصغرى
يتضمن الكتاب سبعة محاور في مجال الدّراسات المقارنة النقديّة وقد استندت هذه المحاور على الاتجاهات النقديّة الحديثة وما بعد الحداثة ومحاولة التخلص من الأطر التقليديّة للمدرسة الفرنسيّة من حيث الالتزام بالأدلة التأريخيّة وتثبيت أطر التأثير والتأثر وتقسيم الآداب إلى الكبرى والصغرى، إي: ما معناه إنَّه لا يمكن دراسة ومقارنة الآداب الصغرى بالآداب الكبرى .وهذا يؤثر وفقا للمدرسة التقليديّة في هويّة وموقع الآداب الصغرى من خلال جعل الآداب الكبرى ذات مكانة وأهميّة أكثر قوة من الصغرى. لذلك جاءت هذه الدّراسات محاولة للابتعاد عن الأطر الثابتة والاتجاه نحو الديناميكيّة كما هي موجودة في المدرسة الأمريكيّة. وقد أكد الناقد الأمريكي (رينيه ويليك) دراسة ومقارنة الآداب بعيدًا عن الأطر التأريخيّة والعرقيّة والسياسيّة ودون التفریق بين الآداب المختلفة. كما أكد الناقد عزالدين المناصرة في كتابه (المثاقفة والنقد المقارن) أنَّ التفاعلات والحوارات والعلاقات بين الثقافات والآداب المختلفة حالة طبيعيّة ولا تؤثر في الهويّة القوميّة. وهذا تأكيد لما بيّنه شتراوس حيث لا توجد ثقافة بمعزل عن العلاقات بين الثقافات الأخرى. كما أنَّ النقد الثقافي يؤكد النصوص المهمشة ومقارنتها ونقلها للآداب المركزيّة. وهذا ما أدى إلى انتهاء ثنائيتي الآداب الكبرى والصغرى. وبهذا جاء الكتاب متضمنا بين دفتيه المقارنة بين الأدب الإنجليزي والعربيّ والكورديّ وبأسس وإجراءات معاصرة.