الكاتب.. صدام العبيدي
في الوقت الذي يزخر فيه العالم برجال العلم والثقافة والفكر، وما يقدمونه من إبداع وابتكار على مختلف الأصعدة العلمية والثقافية والفكرية نجد أن هناك أيادي خفية أو قوى تسعى لتجاهل دور أهل العلم والثقافة والفكر وطمس انجازاتهم وتسطيح دورهم، فبدل أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي محيط رحب ومنبر مفتوح لنشر ابداعات أصحاب العلم والثقافة والفكر نجدها تزخر بالتفاهات والسخافات، فالمقاطع التافهة التي تصدر عن هذا وذاك تحصل على ملايين المشاهدات خلال ساعات قليلة كما حدث مؤخراً عندما حصل مقطع صاحب الجاموسة (سميرة) هذا المقطع الذي حصل على ملايين المشاهدات على التيك توك خلال وقت قليل يعكس مدى قلة الوعي في مجتمعاتنا التي تقبل على مشاهدة مقاطع تافهة خالية من المضمون والمحتوى والهدف، فيحصل أصحاب هذه المقاطع على شهرة كبيرة ويصبحوا نجوماً من لا شيء، فأي انحطاط وتخلف وجهل تعيشه مجتمعاتنا التي جعلت من التافهين نجوماً، فحققوا شهرة لم يحققها أو يحلم بها رجال العلم والثقافة والفكر وصدق الدكتور علي الوردي حينما قال: “انظر إلى الأشخاص الذين يقدّرهم المجتمع سوف تعرف الاتجاه الحضاري السائد في ذلك المجتمع ومصيره”. هذا للأسف هو حالنا من ترويج للتفاهة وترميز للتافهين، وتجاهل للعلم والثقافة، وتسطيح لرموزها، فاليوم إذا خرج عالم أو مثقف أو مفكر برؤية أو منهج لا تجد من يلقي بالاً لإبداعاته هذه، فنحن نعيش فعلاً عصر التفاهة والسخافة والانحطاط، فلا دعم ولا تشجيع ولا تقدير للعلماء والمثقفين والمفكرين في مجتمعاتنا في حين أن المغمورين يحظون بالإعجاب والمتابعة والتشجيع، إن مما لا شك فيه أن هناك قوى تسعى إلى نشر التفاهات والجهل والسخافات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تعد اليوم من أقوى وسائل التأثير على الجمهور من خلال دورها في تشكيل آراء الناس وأذواقهم وتوجيهها إلى ما تريد تحقيقه من أهداف في مجتمعاتنا المعاصرة، فماذا قدم صاحب الجاموسة (سميرة) للمجتمع حتى يحظى بهذه الشهرة ويحقق هذا الانتشار؟! ونحن في هذا المقام لا نلقي اللوم عليه فليس الخلل فيه إنما الخلل كل الخلل في الجمهور الذي يتابع هذه التفاهات ويروج لها وينشرها حتى تصبح ترند وكأنها ابتكارات أو إبداعات أو انجازات حققت وتحقق للبشرية ما تصبو إليه من تقدم ورقي، فتشجيع التفاهة بلا شك تدل على أغفال دور العقل، وقلة الوعي، وتوجيه الاهتمام بسفاسف الأمور، وهذا الذي عليه مجتمعاتنا المعاصرة ومنها مجتمعنا العراقي على وجه الخصوص من نشر وترويج ودعم للتفاهة والاهتمام بها يبين واقع مؤسف نعيشه اليوم يتمثل بالفجوة الكبيرة بين مجتمعاتنا وبين العلم والمعرفة، فلا تجد اليوم إلا القليل ممن يكون على استعداد لأن يقضي وقته في قراءة كتاب، أو نشر علم أو تدريسه، وإنما باتت جل الأوقات تقضى على التصفح لوسائل التواصل الاجتماعي وليت هذا التصفح يكون لأمر مفيد أو نافع للمجتمع وإنما هو تصفح للتفاهات مشاهدةً وترويجاً ودعماً، ألا يعلم المشاهد لهذه التفاهات أو المتابع لها أنه يشجع عليها ويروج لها، فهذه المشاهدات باتت اليوم مصدر للدخل والربح لأصحابها، وتشجيعاً لهم في الاستمرار فيها، فلماذا كل هذا الاهتمام والمتابعة بهكذا أمور في حين أن المثقف وصاحب الفكر والرأي والحكمة يواجه الإهمال والتجاهل، فلا يجد التشجيع والدعم لإبداء رأيه، أو نشر علمه، أو عرض فكرته، أو مشاركة خبرته، فليس المهم اليوم أن تكون مثقفاً المعياً، أو أن تتعب نفسك بالقراءة والكتابة والبحث لكي تصل إلى فكرة وحكمة تفيد المجتمع، وليس المهم أن تقضي وقتك في المختبرات لتجري تجربة ناجحة لإيجاد نظرية علمية، أو تقضي وقتك لتحل معادلة مستعصية على الحل، حتى تحصل على الشهرة والإعجاب والاهتمام، فالشهرة والنجومية من نصيب أصحاب التفاهة وحدهم وليس لغيرهم. فيا ترى لماذا التفاهة تنتشر بسرعة كهشيم النار في الحطب في حين أن المحتوى العلمي والثقافي والفكري لا يحظى بهذا الانتشار، لا شك ان هناك توجيه لنشر التفاهات والترويج لها وتجاهل للعلم للثقافة والفكر فهذا التوجه مقصود ويقف وراءه من يسعى للتحكم بمصير الشعوب من خلال تكريس التفاهة والسخافة والترويج لها، لشغل الشعوب عن واقعها ومصيرها وإلهاءها بسفاسف الأمور دون عظائمها، فمتى تفيق مجتمعاتنا من سباتها وتستيقظ من نومها لترى حالها وما وصلت إليه من انحطاط وسحطية؟!
الدستور