عام 2020 تم إعادة عرض مسلسل «عالم الست وهيبة» الجزء الأول على قناة العراقية الرسمية الحكومية، شاشة العائلة العراقية كما يسمونها. لم يعترض أحدٌ في حينها، لكن في عام 2024 حصل أن أصدر القضاء العراقي، في 18 مارس 2024، أمراً قضائيًا بإيقاف عرض مسلسل «عالم الست وهيبة» الجزء الثاني. الذي أنتجته وبثته قناة «UTV» الفضائية ضمن دورة برامجها الرمضانية لهذا العام. عزاها لأسباب تتعلق بحقوق الملكية لمؤلف المسلسل (صباح عطوان) حيث ادعى المؤلف «ما تضمنه النص المعروض من تحريف وتزوير لأحداث المسلسل الأصلي المقدمة ملفاته من قبلنا لخبراء القضاء، لا سيما بعد إعادة الموتى من شخصيات المسلسل أحياء بطريقة فجة، لم تنل ثناء الجمهور» و «فبركة أحداث زائفة عبر الاستعانة بمؤلفين غير عراقيين تجاوزا على حقوقنا القانونية في النص وتجاهلنا ودون أخذ موافقتنا وعلمنا، ما جعل المسلسل في حالته الراهنة غير ملائم» إن تايتل المسلسل يشير بوضوح إلى ذلك قصة وتأليف: صباح عطوان، سيناريو وحوار: موفق مسعود. وهذا طبيعي جدا، بعض المسلسلات يكتب حلقاتها ورش عمل كتابة كاملة.
يبدو أن صباح عطوان لم يسمع بهذا من قبل وأنه يعيش في الماضي خاصةً أن عطوان قد انقطع عن الكتابة لمدة أربعين عامًا في خارج المشهد الفني وأن أدواته الدرامية السابقة قد تكلست أو غير قادرة فنيًا على مواكبة القفزات المتسارعة في عالم الدراما وارتباطها بالسوشيال ميديا…
كان صباح عطوان الذي تسيد الدراما العراقية منذ السبعينيات حتى عام 2003 يكتب نصوصاً متعددة منها بطبيعة الحال تملى عليه من الأجهزة الأمنية في النظام السابق وربما من الرئيس صدام حسين شخصيًا كما المح في لقاء تلفزيوني ويبدو أنه افتعل المشكلة مع القناة ومخرج العمل للعودة للدراما العراقية بعد غياب لعقود بطريقة “فضائحية” وبفرقعة هذه القضية أو ركوب الموجة الشعبوية استغل الموقف بطريقة غير مهنية لصالحه لينتقم من كادر المسلسل والقناة ويضرب عصفورين بحجر، الانتقام وتعديل السيناريو والتملق لجهات معينة بعد الضجة الشعبية والرسمية التي رافقت عرض الحلقات الأولى من المسلسل بسبب شخصية (مهيدي) بطل المسلسل القاتل واللص يذكر بالمهدي المنتظر الإمام الغائب لدى الشيعة. وكان «ديوان الوقف الشيعي» العراقي قال في بيان سابق، إن «في المسلسل إساءة لمقدسات دينية عليا لأبناء الشعب العراقي وثوابته ورمزيته».
وطالب نواب، بإيقاف بث المسلسل العراقي “عالم الست وهيبة”، حيث رأوا في شخصيات المسلسل إساءة للرموز الدينية، ومقتبسة من حزب البعث المحظور في البلاد. لكن بطل المسلسل القاتل والمجرم مهدي أو (مهيدي بن زمزم) كان يدعى هكذا في الجزء الأول دون الكنية (أبو صالح)، غير أن صباح عطوان غيّرها شخصيًا في الجزء الثاني إلى (أبو صالح) بقصد الإثارة ولفت الانتباه للمسلسل وكسب الجمهور ربما والمزيد من المشاهدات.
فيما يخص قدسية الأسماء، نعم هناك موانع اجتماعية تقليدية ومنها الأخطر الموانع المرتبطة برجال الدين وشيوخ العشائر.كما لا يمكن القفز على حقيقة قوة تاريخية وتأثير الاسم في العالم الشرقي، العربي، العراقي تحديداً. في حين يحتفي الجزائريون بمناضل التحرير من الاستعمار الفرنسي (بن مهيدي)، يرى أهل العراق أن تصغير الاسم هكذا يهين شخصية مركزية منتظرة لدى جميع المسلمين، كلا حسب سردياته. بينما تنعدم حرية التعبير أو تضيق في الجانب الفني لاعتبارات سياسية أو تابوهات مقدسة ينعكس هذا على الأسماء في الواقع والخيال الفني والاجتماعي والثقافي والأدبي. مثلاً يمنع قانون سلطنة عمان أن يسمي المواطن ابنه باسم (قابوس) من الأساس، فكيف يكون في الدراما إذا؟ وقس على هذا الذوات الملكية في الشرق الأوسط. ليتذكر صباح عطوان كصانع محتوى قبل أربعين سنة، وليتذكر العراقيون أن أسماء مثل (عدي) (قصي) لم يكن يسمح باستخدامها فنيًا عدا عن (صدام) طبعًا…
هناك شحنة اجتماعية تتنافر مع أي خيال فني في سرد الأسماء المقدسة وتضاد حاد يؤدي لصدام مع الجمهور الذي ينتج العمل الدرامي أو الفني له كمستهلك. ربما لن نجد في مسلسلاتنا ولن نجد أسماء لشخصيات محلية مؤثرة أقل قدسية وأكثر سلطة مجتمعية. ما حصل متوقع طالما المشاهد وليست السلطات هو الرقيب المتلون والمنافق في نفس الوقت، حيث يصرخ دائمًا بالمقارنات بين المسلسلات المحلية الضعيفة المحتوى وبين إنتاجات العالم الغربي التي يشاهدها بإفراط عن طريق نت فلكس .
أقول للجمهور إن نجاح هكذا أعمال يأتي نتيجة الحرية ذات السقف المرتفع والتي لا تعارضها أنت كمشاهد لو أنتجت في بلدك .. هل يتقبل المشاهد العراقي مناقشة القضايا الجنسية والجنسانية ومجتمعات الميم والعنف الديني وإلخ. أو تجسيد “الله” في دور؟ كما فعل مورغان فريمان في الفيلم الكوميدي (Bruce Almighty) في عام 2003 مثلاً؟